اعتقاداً ثم تابوا، وأهْلُ الإيمان يتفاضَلُون في الإيمَانِ.
وقيل: كانوا مُؤمنين، فلما كُتِبَ [عليهم] ، أي: فرض عليْهِم القِتَال، تلفقوا من الجُبْنِ، وتخلَّفُوا عن الجِهَاد، والأوْلى حَمْل الآية على المُنَافِقِين، لأنه - تعالى - ذكر بَعْد هذه الآية قوله:{وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هذه مِنْ عِندِكَ}[النساء: ٧٨] ولا شَكَّ أنَّ هذا من كَلَام المُنَافِقِين.
فصل
دلَّت الآيَة على أن إيجَاب الصَّلاة والزَّكاة، كان مُقَدَّماً على إيجَاب الجِهَاد.
قوله {إِذَا فَرِيقٌ} : «إذا» هنا فُجَائِيَّة، وقد تقدَّم أن فيها ثلاثة مَذَاهِب:
أحدُها - وهو الأصَحُّ: أنها ظَرْف مكان.
والثَّاني: أنها زمان.
والثَّالث: أنها حَرفٌ.
قيل في «إذا» هَذِه: إنها فجَائِية مَكَانِيَّة، وأنها جوابٌ ل «لَمَّا» في قوله: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ} ، وعلى هَذَا فَفِيها وَجْهَان:
أحدُهُما: أنها خَبَر مقدَّمٌ، و «فريق» : مبتدأ، و «منهم» : صفةٌ ل «فَرِيقٌ» ، وكذلك «يَخْشَون» ، ويجُوزُ أن يكونَ «يَخْشَون» حالاً من «فريق» لاختصاصه بالوَصْفِ، والتَّقْديرُ:«فبالحضرة فريق [فهو] كائن منهم خَاشُون أو خَاشِين» .
والثاني: أن يكون «فريقٌ» مُبْتَدأ، و «منهم» : صفته، وهو المُسَوِّغُ للابْتِداء به، و «يَخْشَوْن» : جملة خبريةٌ وهو العَامِلُ في «إذا» ، وعلى القَوْلِ الأوَّلِ: العَامِلُ فيها مَحْذُوفٌ على قَاعِدة الظُّرُوف الوَاقِعة خبراً.
وقيل: إنَّها هنا ظَرْفُ زمانٍ، وهذا فَاسِدٌ؛ لأنها إذْ ذَاك لا بُدَّ لها من عَامِلٍ، وعامِلُها إمَّا ما قَبْلَها، وإمَّا ما بَعْدَها، لا جائز أن يكُون ما قَبْلَها لأن ما قبلها وهو «كُتب» ماضٍ لفظاً ومعنى، وهي للاسْتِقْبال، فاستحال ذلك.
فإن قيل: تُجْعَلُ هنا للمُضِيِّ بمعنى «إذا» .
قيل: لا يجُوز ذلك؛ لأنه يصيرُ التقدير: فلمَّا كُتِب عَلَيْهم القِتَال في وَقْتِ خَشْيةِ فَرِيقٍ مِنْهُم، وهذا يفتقرُ إلى جَوَابِ «لَمَّا» ولا جَوابَ لها، ولا جَائزٌ أن يَكُونَ ما بَعْدها؛ لأنَّ العَامِل فيها إذا كان بعدها، كان جواباً لها، ولا جَوابَ لها هُنَا، وكان قد تَقَدَّم أوَّلَ البقرة أنَّ في «لَمَّا» قولين: قولَ سيبويه: أنَّها حَرْف وجوب لوُجُوب، وقول الفَارِسي: إنها ظَرْفُ زمانٍ بِمَعْنى «حين» وتقدَّم الردُّ عليه، بأنَّها أُجيبت ب «مَا» النَّافِية وإذا الفُجَائِية،