للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فالجواب أنا بَيَنَّا أنه لا مُنَافَاة ولا مُتَنَاقَضَةَ بَيْن شَيْءٍ مِنْهَا.

الثالث: قال [أبُو] مسلم الأصْفَهَانِي: المراد منه عدم الاخْتِلاف في رُتب الفَصَاحَةِ فيه من أوَّله إلى آخره على نَهْج وَاحدٍ، ومن المَعْلُوم أن الإنْسَان وَإنْ كان في غَايَة البَلاغَة ونهاية الفَصَاحَة، إذا كَتَبَ كِتَاباً طويلاً مُشْتَمِلاً عَلَى المعاني الكثيرة، فلا بُدَّ وأن يقع التَّفَاوُت في كَلَامه، بحيْث يكون بَعْضُه قريباً مُبَيِّناً وبَعْضُه سَخِيفاً نازلاً.

ولما لم يكُن القُرآن كَذلِك، علمنا أنه مُعْجِزٌ من عِنْد الله - تعالى -.

والضمير في «فِيه» يُحتمل أن يعودَ على القُرْآن، وهو الظَّاهِر، وأن يعُود على ما يُخْبره الله - تعالى - به ممَّا يُبَيِّتُون ويُسِرُّون، يعني: أنه يُخْبِرُهم به عَلَى حَدٍّ ما يَقَع.

فصل في دلالة الآية

دلت الآية على أن القُرْآن معلوم المَعْنَى، خلافاً لِمَنْ يَقُول: إنَّه لا يَعْلَم مَعْنَاه إلا النَّبي والإمَام المَعْصُوم؛ [لأنه] لو كان كَذَلِك، لما تَهَيَّأ للمنافقين مَعْرِفة ذلِك بالتَّدَبُّر، ودلت الآية أيْضاً على إثْبات القياسِ، وعلى وُجُوب النَّظَرِ والاستِدْلال، وعلى فَسَاد التَّقْليد، [و] لأنه - تعالى - أمر المُنَافقِين بالاستِدْلال بهذا الدَّليل على صِحَّة نُبُوَّته فيه، فبأن يَحْتَاج إلى مَعْرِفَة ذَاتِ الله - تعالى - وصِفَاته إلى الاستدْلال أوْلى.

فصل

قال أبو علي الجُبَّائي: دلت الآية على أن أفْعَال العِبَاد [غَيْر] مَخْلُوقة لله تعالى لأن قوله - تعالى -: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً} يقتضي أن فعل العَبْد لا يَنْفَكُّ عن التَّفَاوُت والاختلاف وفِعْل الله - تعالى - لا يوجد فيه التَّفَاوُت؛ لقوله - تعالى -: {مَّا ترى فِي خَلْقِ الرحمن مِن تَفَاوُتِ} [الملك: ٣] ، فهذا يَقْتَضِي أن فِعْل العَبْد لا يكُون فِعْلاً على الإطْلاقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>