نَزَلَت [هذه الآية] في مقيس بن ضبابة الكِنْدِي، وكان قد أسْلَم هو وأخُوه هِشَامٌ، فوجد أخَاه هِشَاماً قَتِيلاً في بَنِي فهر إلى بَنِي النَّجَّار، فأتى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فذكر له [ذلك] ، فأرسل رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ معه رَجُلاً من بَنِي النَّجَّار؛ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يأمُرُكم إن عَلِمْتُم قاتل هِشَام بن ضبابة [أن تدفَعُوه] إلى مقيس فيقتصَّ منه، وإن لم تَعْلَمُوه أن تَدْفَعُوا إليْه ديته، فأبلغهم الفِهري ذلك: فَقَالوا: سمعاً وطاعَةً لله ولرسُولِه، ما نَعْلَم له قَاتِلاً ولكنَّا نُؤدِّي ديته، فأعطوه مِائة من الإبل، ثم انْصَرَفَا راجِعَيْن إلى المّدِينَة، فأتَى الشَّيْطَان مقيساً فوسْوَس إليه، فقال: تقبل دِيَّة أخيك فَتَكُون عليك مَسَبَّة، اقْتُل الذي ركب بَعِيراً منها وسَاقَ بقيَّتِها راجعاً إلى مَكَّة [كَافِراً] فنزل فيه:» ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها «بكفره وارتداده، وهو الَّذِي استثْنَاه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يوم فَتْح مَكَّة عَمَّنْ أمَّنَهُ، فَقُتِل وهو مُتَعَلِّق بأستار الكَعْبَة، {وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ}[أي: طَرَدَهُ عن الرَّحْمَة]{وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} .
فصل: اختلاف العلماء في شبه العمد
قال القرطبي: ذكر الله - عَزَّ وَجَلَّ - في كتابه العَمْد والخطأ، ولم يذكر شِبْهَ العَمْد، وقد اختلف العُلَمَاءِ في القَوْل به:
فقال ابن المُنْذِر: وأنكر ذَلِكَ مَالِك؛ وقال: ليس في كِتاِ الله إلا العِمْدَ والخَطَأ وذكره الخَطَّابي أيضاً عن مَالِك، وزاد: أما شبه العَمْد فلا نَعْرِفُه.
قال أبو عمرو: أنكر مَالِك واللَّيْث بن سَعْد شبه العَمْد، فمن قُتِلَ عِنْدَهُمَا بما لا يَقْتُل مثلُه غَالِباً؛ كالعضَّة واللَّطْمة، وضرب السَّوْط ونحوه؛ فإنه عَمْد وفيه القَوَد، قال: وهو قول جَمَاعَةٍ من الصَّحَابة والتَّابعين، وذهب جُمْهُور فقهاءِ الأمْصَار إلى أن هذا كُلّه شبع العًمْد.
قال ابن المُنْذِر: شبْه العمد يُعْمَل به عِنْدَنا، وممن أثبت شِبْه العَمْ الشَّعْبيُّ، والحَكَم، وحمَّاد، والنَّخعِيُّ، وقتادَةُ، وسُفْيَان الثَّوْريُّ، وأهل العِرَاقِ والشافعي