قال القُرْطُبي: تقول العَرَب: ضَرَبْتُ في الأرْضِ، إذا سِرْتَ لِتِجَارَةٍ أو غزوٍ أو غيره مُقْتَرِنَة بفي، وتقول: ضَرَبْت الأرْض دون «في» إذا قَصَدْت قَضَاء حَاجَة الإنْسَان؛ ومنه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -: «لا يَخْرُجُ الرَّجُلان يضربان الغَائِطَ يتحدَّثَان، كَاشِفين عن فَرْجَيْهما، فإن الله يَمْقُتُ على» ذَلِكَ «وفي» إذا «مَعْنَى الشَّرْط، فلذلك دَخَلَت الفَاءُ في قوله:» فتبينوا «وقد يُجَازى بها كقوله: [الكامل] .
قوله:» فتبينوا «: قرأ الأخوان من التَّثبُّت، والباقُون من البَيَان، هما متقاربان؛ لأن مَنْ تَثبت في الشَّيْء تَبَيَّنه، قاله أبو عبيد، وصحَّحه ابن عطيَّة.
وقال الفَارِسيّ:» التثبُّت هو خَلَاف الإقْدَام والمُراد التَّأنِّي، والتَّثَبُّت أشد اخْتِصَاصاً بهذا المَوْضِع؛ بدل عليه قوله:{وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً}[النساء: ٦٦] أي: أشدٌّ وَقْعَاً لهم عَمَّا وُعِظُوا به بألَاّ يُقْدِمُوا عليه «فاختار قراءة الأخوين.
وعكس قومٌ فرجَّحوا قراءة الجماعة، قالوا: لأن المتثبِّت قد لا يَتَبيَّن، وقال الرَّاغب: لأنه قلَّ ما يكون إلا بَعْدَ تثبُّت، وقد يَكُون التَّثبُّت ولا تبيُّنَ، وقد قُوبِل بالعَجَلَة في قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -:» التبيُّن من الله والعَجَلُة من الشيطان «وهذا يُقَوِّي قراءة الأخَوَيْن أيضاً، و» تَفَعَّل: في كلتا القراءتين بمعنى الدال على الطَّلب، أي: اطلبوا التثّبُّت أو البيان.
وقوله:«لمن ألقى» اللام للتَّبْلِيغ هنا، و «من» مَوْصُولة أو مَوْصُوفة، و «ألقى» هنا ماضي اللَّفْظِ، إلا أنه بمعنى المُسْتقبل، أي: لمن يُلْقَى، لأنَّ النهيَ لا يكونُ عمّا وقع وانْقَضَى، والمَاضِي إذا وقع صِلَة، صَلح للمُضِيِّ والاسْتِقْبَال.
وقرأ نافع وابن عَامِر وحَمْزة:«السَّلَم» بفتح السِّين واللام من غير ألف، وباقي