وفي خبر «إنَّ» هذه ثلاثة أوْجُه: أحدها: أنه مَحْذُوفٌ، تقديُره: إنَّ الذين توفَّاهُم الملائكةُ هَلَكُوا، ويكون قوله:«قالوا: فيم كنتم» مبيِّناً لتلك الجُمْلَةِ المَحْذُوفة.
الثاني: أنه «فأولئك مأواهم جهنم» ودخلت الفَاءُ زائدة في الخَبَر؛ تشبيهاً للموصُول باسم الشَّرْط، ولم تمنع «إنَّ» من ذَلِكَ، والأخْفَش يَمْنَعُه، وعلى هذا فَيَكُون قوله:«قالوا: فيم كنتم» إمَّا صفةً ل «ظَالِمِي» ، أو حالاً للملائكة، و «قد» مَعَه مقدَّرَةٌ عند مَنْ يشتَرِط ذلك، وعلى القول بالصِّفَة، فالعَائِد محذوف، أي: ظالمين أنْفُسَهم قَائِلاً لهم المَلَائِكَة.
والثالث: أنه «قالوا فيم كنتم» ، ولا بد من تَقْدِيرِ العَائِد أيْضاً، أي: قالوا لَهُم كذا، و «فيم» خَبَرَ «كُنْتُم» ، وهي «ما» الاستِفْهَامِيَّة حُذِفَت ألِفُها حين جُرَّتْ، وقد تقدَّم تَحْقِيق ذلك عند قوله:{فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ الله}[البقرة: ٩١] ، والجُملة من قوله:«فيم كنتم» في مَحَلِّ نَصْبٍ بالقَوْلِ، و «في الأرض» متعلقٌ ب «مُسْتَضْعَفِين» ، ولا يجوز أن يكُون «في الأرْضِ» هو الخَبَر، و «مُسْتَضْعَفِين» حالاً، كما يَجُوز ذلك في نَحْو:«كان زيدٌ قائَماً في الدَّارِ» لعدمِ الفَائدة في هذا الخَبَر.
فصل في معنى التَّوَفِّي
في هذا التَّوفِّي قولان:
الأول: قول الجُمْهُور، معناه تُقْبَض أرْوَاحهم عند الموْتِ.
فإن قيل: كيف الجَمْع بَيْنَه وبين قوله - تعالى -: {الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مِوْتِهَا}[الزمر: ٤٢] ، {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ}
[البقرة: ٢٨] وبين قوله {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الموت الذي وُكِّلَ بِكُمْ}[السجدة: ١١] .
فالجواب: خالق الموت هو الله - تعالى -، والمُفَوَّض إليه هذا العمل هو مَلك المَوْت وسَائِر الملائكة أعْوانه.
الثاني: توفَّاهم الملائِكة، يعني: يَحْشُرونهم إلى النَّار، قاله الحَسَن.
فصل
الظُّلْم قد يُراد به الكُفْر؛ كقوله - تعالى -: {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان: ١٣] ، وقد يرادُ به المَعْصِيَة؛ كقوله:{فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ}[فاطر: ٣٢] ، وفي المراد بالظُّلْمِ هَهُنَا قَوْلان:
الأول: قال بَعْضُ المُفَسِّرين: نزلت في نًاسٍ من أهْلِ مَكَّة، تكلَّمُوا بالإسْلام ولم