لقوله:{فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ الله} ، وذلك يدلُّ على قَوْلِنَا من ثلاثة أوجُه:
الأول: حقيقة الوُجُوب هو الوُقُوع والسُّقُوط؛ قال - تعالى -: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا}[الحج: ٣٦] أي وقعت وسَقَطَت. وثانِيها: أنه ذَكَرهُ بلفظ الأجْر، والأجر عبارة عن المَنْفَعَة المسْتَحقِّة، فأمَّا الذي لا يكُون مُسْتَحقاً، فلا يُسَمَّى أجْراً، بل يُسمَّى هِبَةً.
وثالثها: قوله: «على الله» وكلمة «عَلَى» للوُجُوب؛ قال - تعالى -: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت [مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً} ] [آل عمران: ٩٧] .
والجواب: أنا لا نُنَازعُ في الوُجُوب، لكن بِحُكْم الوَعْد والتَّفْضُّل والكرم، لا بحكم الاسْتِحْقَاق الذي لو لم يفْعَل لخَرَج عن الإلهيَّة.
فصل
نقل القُرْطُبِي عن مالكٍ؛ أنه قال: هذه الآية تدلُّ على أنَّهُ ليس لأحَدٍ لمُقَامُ بأرض يُسَبُّ فيها السَّلَف ويَعْمَلُ فيها بِغَيْر الحَقِّ.
فصل
استدَلُّوا بهذه الآيةِ على أنَّ الغَازِي إذا مَاتَ في الطَّرِيقِ، وَجَبَ سهْمُهُ في الغَنِيمَةِ، كما وَجَبَ أجْرُه، وفيه ضَعْفٌ؛ لأن لَفْظَ الآيَةِ مَخْصُوص بالأجْر، وأيضاً فاسْتِحْقَاق السَّهم من الغَنِيمَة مُسْتَحقٌّ بحيازَتِها، إذ لا يُكُون ذلك إلا بَعْدَ حِيَازَتِها.
قوله - تعالى -: {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى الله وَرَسُولِهِ} قال عِكْرمَة مَوْلَى ابْن عبَّاس: طَلَبْتُ اسم هذا الرَّجُل أرْبَع عَشْرَة سَنَة حتى وَجَدْتُه، وفي قول عِكْرمة [هذا] دَلِيلٌ على شَرَفِ هذا العِلْمِ، وأنَّ الاعْتِنَاء به حَسَنٌ والمَعْرِفَة به فَضْلٌ؛ ونحوه قول [ابن عبَّاس] : مكثت سِنين أريد أن أسْأل عُمَر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - عن المَرْأتَيْن اللَّتَيْن تظاهرتا على رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فما يَمْنَعُنِي إلا مَهَابَتُه، والذي ذَكَرَه عِكْرِمَة هو قَوْل ضمرة بن العِيص، أو العيص بن ضمرة بن زِنْبَاع، حَكَاه الطَّبَري عن سَعِيد بن جُبَيْر، ويقال فيه ضُمَيْرة أيضاً، ذَكَرَ أبُو عمرو أنَّه قد قِيلَ فيه: خَالِد بن حزام بن خُوَيْلد ابن أخِي خَدِيجَة [خرج] مُهَاجراً إلى لأرْض الحَبَشَة، فَهَتَفَتْهُ حيَّة في الطَّرِيق، فمات قبل أن يَبْلُغ أرْض الحَبَشَة؛ فأنزل الله فِيه الآية، وحكى ابْن الحَوْزِيّ أنه حَبيبُ بن ضَمْرة.