الحَثِّ على الجِهَاد، فقال:«وَلا تَهِنُوا: أي: ولا تَضْعُفُوُا، ولا تَتَوانَوْا، الجمهورُ: على كَسْر الهاء، والحَسن: على فتحها من» وَهِن «بِالكَسْر في الماضِي، أو من» وهَن «بالفَتْح، وإنما فُتِحَت العَيْن؛ لكونها حَلْقِيةً، فهو نحو: يَدَع.
وقرأ عُبَيْد بن عُمَيْر:» تُهَانَوْا «من الإهانة مبنيَّاً للمَفْعُول، ومعناه: لا تَتَعاطَوا من الجُبْنِ والخَوَر، ما يكون سَبَباً في إهَانتكم؛ كقولهم:» لا أرَيَنَّك هَهُنَا «.
وقوله:{فِي ابتغآء القوم} أي: في طَلَبِهِم، وسبب نزولها: أنَّ أبا سُفْيَان وأصْحَابَهُ لمَّا رَجَعُوا يوم أُحُد، بعث رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ [طائفة] في آثارِهِم، فَشَكُوا ألَم الجِرَاحِ، فقال - تعالى -: {وَلَا تَهِنُواْ فِي ابتغآء القوم} أي لا تَضْعُفُوا في طلب أبِي سُفْيَان وأصْحَابَهُ، {إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ} : تتوجَّعُون من الجِرَاح،» فإنَّهُمْ يَألَمُون «أي: يتوجَّعُونَ كما تألمون، والمَعْنَى: أنَّ حصُول الألمِ قدر مُشْتَركٌ بينكم وبَيْنَهُم، فلمَّا لم يَكُن خوف الألَمِ مانِعَاً لَهُم عن قَتَالِكُم، فكيف يَصير مَانِعاً لكم عن قِتَالِهِم.
قرأ يَحْيَى بن وَثَّاب، ومنصور بن المُعْتَمِر:» تِئلمون فإنهم يِئلمون كما تِئلمون «بكسر حَرْفِ المُضارَعَةِ، وابن السَّمَيْفَع: بكسر تَاءِ الخطَاب فقط، وهذه لُغةٌ ثَابِتَة، وقد تقدم في الفَاتِحَة أنَّ مَنْ يَكْسِرُ حَرفَ المُضَارعة يَسْتَثْنِي التَّاء، وتقدم شُذُوذ» تِيجَل «ووجْهه، وزاد بُو البقاء في قِرَاءة كَسْر حَرْف المُضَارعة قَلْبَ الهَمْزَة ياءً، وغيرُه أطلق ذلك.
وقرأ الأعْرَج:» أن تَكُونُوا تألَمون «بفتح هَمزة» أنْ «والمعنى: ولا تَهِنُوا لأنْ تَكُونوا تألمون.
وقوله:{فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ} تعليل قوله: {وَتَرْجُونَ مِنَ الله مَا لَا يَرْجُونَ}[أي: وأنتم مع ذَلِكَ تأمَلُون من الأجْر والثواب في الآخرة، والنَّصَر في الدُّنْيَا ما لا يَرْجُون] ، فأنتم أوْلَى بالمُصَابَرةِ على القِتَال من المُشْرِكين؛ لأن المُؤمِنِين مُقِرُّون بالثَّواب والعِقَابِ، والحَشْر والنَّشر، والمُشْرِكون لا يقرون بذلِك، فإذا كانُوا مع إنْكَارِهِم ذلك مُجِدِّين في القِتَال، فأنتم أيُّهَا المؤمِنُون المُقِرُّون بأنَّ لكم في الجِهَادِ ثَواباً، وعليكم في تَرْكِهِ عِقَاباً أوْلَى بالجِدَّ في الجَهَادِ.