دَارِ زيْد السَّمِين وتركه على بابه، وحَمَل الدِّرْع إلى بَيْتِه، فلما أصْبَح صاحِبُ الدِّرْع، جاء على أثَر النُّخَالة إلى دار زَيْدٍ السَّمين، فأخذه وحمله إلى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فهم النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يَقْطع يد زَيْد اليَهُودي.
وقال مقاتل: إن زيداً السَّمين أوْدَع درعاً عند طعمة فَجَحَدَها طعمة، فأنْزَل الله تعالى قوله:{إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق} بالأمْر، والنَّهْي، والفَصْل، {لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بِمَآ أَرَاكَ الله} : بما علّمَكَ الله وأوْحَى إليْك، {وَلَا تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ} : طعمة، «خصيماً» : مُعيناً مُدَافِعاً عنه.
وهذه القِصَّة تَدُلُّ على أن طعمة وقوْمَه كانوا مُنَافِقِين؛ لأنهم طلبوا البَاطِل، ويؤكِّدُه قوله - تعالى -: {وَمَا يُضِلُّونَ إِلَاّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ}[النساء: ١١٣] . ثم رُوي: أن طعمة هَرَب إلى مَكَّة وارتَدَّ، وثَقَب حَائِطَاً؛ ليَسْرِق، فسقط الحَائِط عَلَيْه فمات.
فصل
قال الطَّاعِنُون في عِصْمة الأنْبِيَاء - عليهم الصلاة والسلام -: دلَّت هذه الآيةُ على صُدُور الذَّنْب من الرَّسُول - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - فإنَّه لَوْلَا أن الرسُول -[عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ] أراد أن يُخَاصِم لأجْل الخَائِن ويذب عنه، وإلاّ لما وَرَدَ النَّهْي عَنْه.
والجوابُ: أنه لمَّا ثَبَتَ في الرِّواية: أنَّ قوم طعمة لما التمسُوا من الرَّسُول - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - أن يَذُبَّ عن طعمة، وأنْ يُلْحِق السَّرقة باليَهُودِيِّ توقف وانتظر الوَحْي، فنزلت الآيَة، وكان الغَرَضُ من هذا النَّهْي: تَنْبيه النبيّ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - على أنَّ طعمة كَذَّابٌ، وأن اليَهُودِيَّ بريءٌ من ذَلِك الجُرْمِ.
فإن قيل: الدَّليل على أنَّ الجُرْم قد وَقَعَ من النَّبِي - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - قوله بعد ذلك:{واستغفر الله إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} والأمر بالاسْتِغْفَار، يدل على صُدُور الذَّنْبِ.
فالجواب: من وجوه:
الأوَّل: لعله مَالَ طَبْعُهُ، إلى نُصْرة طعمة؛ بِسَبَبِ أنه كَانَ في الظَّاهِر من المُسْلِمِين؛ فأمر بالاسْتِغْفَار لهذا القَدْر، وحَسَنَاتُ الأبْرَار سَيِّئَات المُقَرَّبين.
الثَّاني: أن القَوْم لما شَهِدُوا بِبَراءة طعمة، وعلى اليَهُودِيِّ بالسَّرِقَة، ولم يَظْهَر للرَّسُول - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - ما يُوجِب القَدْح في شَهَادَتِهم، هَمَّ بأن يَقْضِي بالسَّرِقة