وقال الطَّبَرِيّ: الخَطِيئَة تكون عن عَمْد، وعَنْ غَيْر عمد، والإثْم لا يكون إلا عن عَمْد، وقيل: الخَطِيئَة مَا لَمْ يُتَعَمَّد خاصَّة؛ كالقَتْل الخَطَأ.
قوله:{ثُمَّ يَرْمِ بِهِ} : في هذه الهَاءِ أقوالٌ:
أحدُها: أنها تعود على «إثماً» لأنه الأقْرب، والمتعاطفان ب «أو» : يجُوز أن يعودَ الضَّمير على المَعْطُوف كهذه الآية، وعلى المعطوف عليه؛ كقوله:{وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفضوا}[الجمعة: ١١] .
والثاني: أنها تعودُ على الكَسْبِ المدْلُول عليه بالفعل، نحو:{اعدلوا هُوَ أَقْرَبُ}[المائدة: ٨] أي العدل.
الثالث: أنها تعودُ على أحد المذكُورَيْن الدَّالِّ عليه العَطْفُ ب «أو» فإنه في قُوَّة «ثم يَرْمِ بأحَدِ المذكُورَيْن» .
الرابع: أنَّ في الكَلَام حَذْفاً، والأصْل:{ومن يكسب خطيئة ثم يرم بها} ؛ وهذا كما قيل في قوله:{والذين يَكْنِزُونَ الذهب والفضة وَلَا يُنفِقُونَهَا}[التوبة: ٣٤] أي: يَكْنزِون الذَّهب، ولا ينفقونه.
الخامس: أن يعُود على معنى الخَطِيئة، فكأنَّه قال: ومن يَكْسِب ذَنْباً ثم يَرْم بِهِ، وقيل: جَعَل الخَطِيئَة والإثْم كالشَّيْء الوَاحِد، و «أو» هنا لتَفْصِيل المُبْهَمِ، وتقدَّم له نَظَائرُ.
وقرأ مُعاذُ بن جَبَل:«يَكسِّبْ» بِكسْر الكاف وتَشْدِيد السِّين، وأصْلُها: يَكْتَسِبْ، فأدغمت تَاءُ الافْتعال في السِّين، وكُسِرت الكافُ إتباعاً، وهذا شَبيهٌ ب «يَخِطِّف»[البقرة: ٢٠] ، وقد تقدَّم تَوْجِيههُ في البقرة، وقرأ الزهري:«خَطِيَّة» بالتَّشديدِ، وهو قياسُ تَخْفِيفها.
وقوله:{يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً} أي: يقْذِفُ بما جَنَى «بَريئاً» منه كما نُسِبَتِ السَّرِقَة إلى اليَهُودِي. [قوله] : {فَقَدِ احتمل بُهْتَاناً} البهتان: هو البهْت، وهو الكَذِب الَّذي يتحيَّر في عِظمهِ؛ لأنَّهُ إذا قيل للإنْسَان، بُهت وتَحَيَّر.
رَوَى مُسْلِمٌ، عن أبِي هُرَيْرة، «قال رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: تَدْرُون ما الغيبة؟ قالُوا: الله ورسُولُه أعْلَم، قال:» ذِكْرُكَ أخَاكَ بما يَكْرَهُ «. قيل: أفَرَأيْت إن كَانَ في أخي ما أقول؟ قال:» إن كان فيه ما تَقُول، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وإن لم يَكُن فِيهِ، فقد بَهَتَّهُ «؛ فرمْيُ