هَمَّتْ طائفة، أي: أضْمَرَت طَائِفَة منهم، يعني: قَوْم طعمة، «أَن يضلوك» أي: يُخَطِّئُوك في الحُكْم، ويُلْبِسُوا عليك الأمْر؛ حَتَّى تدافع عن طعمة، {وَمَا يُضِلُّونَ إِلَاّ أَنْفُسَهُمْ} يعني: يرجع وَبالُهُ عليهم، {وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ} فيه وَجْهَان:
الأوَّل: قال القفَّال - رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى - وما يضُرُّونك في المُسْتَقْبل، فوعده - تعالى - بإدَامَة العِصْمَة لما يُرِيدُون من إيقَاعِه في البَاطِل.
الثَّاني: المَعْنَى: أنَّهم وإنْ سَعوْا في إلْقَائك فأنْتَ ما وقَعْتَ في البَاطِل: لأنَّك بنيت الأمر على ظَاهِر الحَال، وأنت ما أمرت إلا بِبِنَاءِ الأحْكَام على الظَّاهِر.
ثم قال:{وأنزل عليك الكتاب والحكمة} وهذا مؤكد لذلك الوَعْد إن فَسَّرْنا قوله: {وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ} بالوَعْد والعِصْمَة في المُسْتَقْبل، يعني: لما أنْزَل عليك الكتاب والحكمة، وأمر بِتَبْلِيغ الشَّريعة إلى الخَلْقِ، فكيف يَلِيقُ بحكمته ألَاّ يَعْصِمَك عن الوُقُوع في الشُّبُهَات، وإن فَسَّرْنا الآية بأنَّه - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - كان مَعْذُوراً في بناء الحُكْم على الظَّاهر، كان المَعْنَى: وأنزل عليك الكتاب والحكمة، وأوْجَبَ فيها بِنَاء أحكام [الشَّرْع] على الظَّاهر، فكيف يَضُرُّك بناء الأمْر على الظَّاهِر.
قال القُرْطُبِي: قوله [تعالى] : {وأنزل عليك الكتاب والحكمة} ابْتِداء كلام.
أحدهما: أن يكُون المُراد [ما يتعَلَّق] بالدِّين؛ كما قال:{مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب وَلَا الإيمان}[الشورى: ٥٢] فيكون تَقْدِير الآيَة: أنْزَل عليك الكتاب والحِكْمة، وأطْلَعَك على أسْرَارِهَا، مع أنَّك قبل ذَلِك لم تكن عَالِمَاً بشيء منهما، فكَذَلِكَ يفْعَل بك في مُسْتَأنف أيَّامك، لا يَقْدِر أحدٌ من المُنَافِقِين على إضلالك.
الثاني: أن المُراد: وعَلَّمك ما لم تكُن تَعْلَم من أخْبَار الأولِين؛ فكذلك يُعَلِّمك من حِيَل المُنَافِقِين وَوُجوه كَيْدِهِم، ما تَقْدِر [به] على الاحتراز عن كَيْدهم ومَكْرِهِم.
{وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيماً} . وهذا يَدُلُّ على أنَّ العِلْم أشْرَف الفَضَائِلِ