الغِلْمَان؟ قالوا: بَلَى، [قالت: فما جَاؤُوا بِشَيْءٍ؟ قالوا: بَلَى،] فَقَامَت إلى الغَرَائِر. فَفَتَحَتْهَا، [فإذا] هِي مَلأى بأجْودِ دَقِيق حوارٍ يكون، فأمرت الخَبَّازِين، فَخَبَزُوا وأطْعَمُوا النَّاسَ، فاسْتَيْقَظ إبْرَاهِيمُ، فوجد ريحَ الطَّعَامِ، فقال: يا سَارة مِنْ أيْن هذا؟ فقالت: من عند خَلِيلِك المصْرِيِّ، فقال: هذا من عِنْد خَلِيلِيَ اللَّه، قال: فيومَئِذٍ اتَّخَذَهُ [الله] خَلِيلاً.
وقال شَهْر بن حَوْشَب: هبط مَلَكٌ في صورة رَجُلٍ، وذكر اسْمَ اللَّه بِصَوتٍ رَخيمٍ شَجِيٍّ، فقال إبْرَاهِيم - عليه السلام -: اذكره مَرَّة أخْرَى، فقال: لا أذْكُرُه مَجَّاناً، فقال: لك مَالِي كُلُّه، فذكره المَلَكُ بِصَوتٍ أشْجَى من الأوَّل، فقال: اذكره مرَّة ثَالِثَة ولك أوْلَادِي، فقال المَلَك: أبْشِر، فإنِّي ملكٌ لا أحْتَاج إلى مَالِكَ وَوَلَدِكَ، وإنَّما كان المَقْصُود امتْحَانُك؛ فلما بَذَل المَال والوَلَد على سَمَاعِ ذكر الله [- تعالى -] لا جرم اتَّخذه اللَّه خَلِيلاً.
وروى طاوُس، عن ابن عبَّاس: أن جبريل - عليه السَّلام - والملائِكَة، لما دَخَلُوا على إبْراهيم - عليه [الصلاة و] السلام - في صُورة غِلْمَان حِسَان الوُجُوه، ظنَّ الخليل - عليه السلام - أنهم أضْيَافُه، وذَبَح لهم عِجْلاً سَمِيناً، وقرَّبَهُ إليْهِم، وقال: كلوا على شَرْطِ أن تُسَمُّوا اللَّه - تعالى - في أوَّلِه، وتَحْمَدُونَهُ في آخِرِه، فقال جِبْرِيل: أنت خَلِيلُ اللَّه.
قال ابن الخَطِيب: وعندي فيه وَجْهٌ آخَر، ومعناه: إنما سُمِّي خَلِيلاً، لأن مَحَبَّة اللَّه تخلَّلت في جَمِيع قُوَاه؛ فصار بحيث لا يَرَى إلا اللَّه، ولا يَتَحَّرك إلَاّ للَّه، [ولا يَسْكن إلا لِلَّه] ، ولا يسمع إلا باللَّه، ولا يَمْشِي إلا للَّه، فكان نُور [جلال] اللَّه قد سرى في جَمِيع قُوَاه الجُسْمَانِيَّة، وتخلَّلَ وغاصَ في جَوَاهِرِها، وتوغل في ماهِيَّاتها، ومثل هذا الإنْسَان يوصَفُ بأنه خَلِيلٌ، وإليه أشار - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - بقوله [في دعَائِهِ] : «اللهم اجْعَل في قَلْبِي نُوراً، [وفي سَمْعِي نُوراً] ، وفي بَصَرِي نُوراً، وفي عَصَبِي نُوراً» .