سَمَاع من العَرَب، فيقال:«زيد قَائِمَان وعَمْرو» ، ومثلُ هذا لا يجُوز، وإمَّا أن يُجْعَلَ من عَطْف الجُمَل، بمَعْنَى: أنَّ خبرَ الثَّاني محذوفٌ، أي: وما يُتْلَى عَلَيْكُم، يُفْتيكم، فيكون هذا هو الوَجْه الثَّالث - وقد ذكروه - فَيَلْزَم التَّكْرَار.
والثالث من أوْجُه الرَّفع: أنه رَفْع بالابْتِدَاء، وفي الخبَر احْتِمَالان:
أحدهما: أنه الجَارُّ بعده، وهو «فِي الكِتَابِ» والمرادُ ب «ما يتلى» القرآنُ، وب «الكتاب» : اللوحُ المحفوظ، وتكُونُ هذه الجُمْلَة معترضةً بين البدل والمُبْدَل منه، على ما سيأتي بَيَانُه، وفائدةُ الإخْبَار بذلك: تَعْظِيمُ المَتْلوِّ، ورفعُ شأنه؛ كقوله:{وَإِنَّهُ في أُمِّ الكتاب لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}[الزخرف: ٤] .
والاحتمال الثاني: أن الخبر مَحْذُوفٌ، أي: والمتلوُّ عَلَيْكم في الكتاب يُفْتيكم، أو يبيِّن لَكُم أحْكَامَهُن.
وذلك المَتْلُوّ في الكِتَاب هو قوله:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تُقْسِطُواْ فِي اليتامى}[النساء: ٣] وحَاصِل الكلام: أنَّهم قد سألُوا عن أحْوَال كَثِيرةٍ من أحْوالِ النِّسَاء، فما كان مِنْهَا غير مُبَيَّن الحُكْم، ذَكر أن اللَّه يُفْتِيهم فيها، وما كان فِيهَا مُبَيَّن الحُكْم في الآيات المُتَقَدِّمَةِ، ذكر أن تِلْك الآيَات المَتْلُوة تُفْتيهم فيها، وجعل دَلَالة الكِتَاب على الحُكْم إفتاء من الكتاب؛ كما يُقَال في المَجَازِ المَشْهُور: كِتَاب اللَّه يُبَيِّن لنا هَذَا الحُكْم، وكلام الزَّمخشري يحتمل جَمِيع الأوْجُه، فإنه قال:«ما يُتْلى» في مَحَلِّ الرفع، أي: اللَّهُ يُفْتِيكُم، والمتلوُّ في الكِتَاب في مَعْنَى: اليتامى، يعني قوله:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تُقْسِطُواْ فِي اليتامى}[النساء: ٣] . وهو من قَوْلِك:«أعْجَبَنِي زَيْدٌ وكَرَمُه» انتهى، يعني: أنَّه من باب التَّجْريد؛ إذ المقصودُ الإخْبَارُ بإعجَاب كَرَم زيدٍ، وإنما ذُكِر زَيْدٌ؛ ليُفيدَ هذا المَعْنَى الخاصَّ لذلك المَقْصُود أنّ الذي يُفْتيهم هو المَتْلُوُّ في الكِتَابِ، وذُكِرت الجَلَالةُ للمعنى المُشَار، وقد تقدَّم تَحْقِيق التَّجْرِيد في أوَّل البَقَرة، عند قوله:{يُخَادِعُونَ الله}[البقرة: ٩] .
والجَرُّ من وَجْهَيْن:
أحدهما: أن تكُون الواوُ للقَسَم، وأقسمَ اللَّهُ بالمَتْلُوِّ في شأن النِّساء؛ تَعْظِيماً له، كأنه قيل: وأقْسِمُ بما يُتْلى عَلَيْكُم في الكِتاب؛ ذكره الزمخشري.
والثاني: أنه عَطْفٌ على الضَّمِير المَجْرُور ب «في» أي: يُفْتِيكُمْ فيهنَّ وفيما يُتْلَى، وهذا مَنْقُولٌ عن محمَّد بن أبي مُوسَى، قال:«أفتاهم الله فيما سألُوا عنه، وفيما لَمْ يَسْألوا» ، إلا أنَّ هذا ضَعِيفٌ من حَيْث الصِّنَاعةُ؛ لأنه عطفٌ على الضمير المَجْرُورِ من غير إعَادَة الجَارِّ؛ وهو رأي الكُوفيِّين، وقد تقدَّم مذاهب النَّاسِ فيه عند قوله:{وَكُفْرٌ بِهِ والمسجد الحرام}[البقرة: ٢١٧] .