للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أمَّا الآيةُ الأولى: فلأنَّ الكَلامَ فيها جَاءَ على التَّرتِيب الوُجُودِي، فإنَّ وَصِيَّة مَنْ قبلَنا قبلَ وَصيَّتنا، فلمَّا قَصَدَ هذا المَعْنَى، استحال - والحالةُ هذه - أن يقُدْرَ عليه مُتَّصِلاً.

وأما الآية الثَّانية: فلأنَّه قصد فيها تَقَدُّمَ ذِكْرِ الرَّسُول؛ تشريفاً له، وتشنيعاً على مَنْ تَجاسَر على مِثْلِ ذلك الفِعْل الفَظِيع، فاسْتَحَال - والحالة هذه - أن يُجَاء به مُتَّصِلاً، و «مِنْ قبلكم» : يَجُوزُ أنْ يتعلَّق ب «أوتُوا» ، ويجُوز أنْ يتعلَّق ب «وَصَّيْنَا» ؛ والأولُ أظهرُ.

قوله: «أن اتَّقُوا» يجوزُ في «أن» وَجْهَان:

أحدُهُمَا: أن تكون مصدرِيّة على حَذْفِ حَرْفِ الخَفْضِ، تقديرُه: بأن اتَّقوا، فلما حُذِف الحَرْفُ جَرَى فيها الخِلافُ المَشْهُور.

والثاني: أن تكُون المُفَسِّرة؛ لأنها بَعْد ما هُو بِمَعْنَى القَوْل، لا حروفه وهو الوصيّة، والظاهر أن قوله: «وإن تَكْفُرُوا» جملة مُسْتأنفة؛ للإخبار بأن هذه الحَالِ ليست داخلة في مَعْمُول الوصِيّة.

وقال الزَّمَخْشَرِي: {وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ} عطفٌ على «اتَّقُوا» لأنَّ المَعْنَى: أمرناهم، وأمَرْنَاكم بالتَّقْوَى، وقُلْنا لهم ولكم: «إِن تَكْفُرُواْ» وفي كلامه نظرٌ، لأنَّ تقديره القَوْلَ، ينفي كون الجُمْلة الشرطية مُنْدرجةً في حَيِّزِ الوصيَّة بالنِّسْبَة إلى الصِّناعة النَّحْوية، وهو لم يقصد تفسير المعنى فقط، بل قصده هو وتفسير الإعراب؛ بدليل قوله: عطف على «اتَّقُوا» ، و «اتَّقُوا» داخلٌ في حيِّز الوصيَّةِ، سواءً أجعلت «أن» مصدريَّةً أم مُفسِّرة.

فصل

ومعنى [قوله:] {أَنِ اتقوا الله} ؛ كقولك: أمَرْتُكَ الخَيْرَ، قال الكَسَائِيُّ: يقال: أوصَيْتُك أن افْعل كذا، وأن تَفْعَل كذا، ويُقال: ألْم آمُرَك أن ائت زيداً، وأن تأتِي زَيْداً؛ كقوله - تعالى -: [و] {أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ} [الأنعام: ١٤] ، وقوله: {إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبِّ هَذِهِ البلدة} [النمل: ٩١] وتقدَّم الكلام على «وَإِن تَكْفُرُواْ» .

قوله: {فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي} في تعلُّقِه وجهان:

الأول: أنه - تعالى - خالقُهُم ومالِكُهُم، والمُنْعِم عليهم بأصْناف النِّعَم كلِّها، فَحَقَّ على كل عَاقلٍ أن يَنْقَاد لأوَامِرِه ونَوَاهِيهِ، ويَرْجُوا ثوابه، ويَخَاف عِقَابَهُ.

والثاني: {وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} من أصناف المَخْلُوقات من

<<  <  ج: ص:  >  >>