وإعدامكم] بالكُلِّيَّة، وعلى أنْ يوجِدَ قَوْماً آخَرِين، يشتغلون بِعبَادَته وتَعْظِيمه، وكان اللَّه على ذَلِك قَدِيراً.
قوله:«بآخرين» : آخرين صِفَةٌ لموصوفٍ محذُوف من جنسِ ما تقدَّمه تقديرُه: بناسٍ آخرين يعبدون الله، ويجُوز أن يكونَ المَحْذُوف من غير جنس ما تقدَّمه.
قال ابن عطية:«يُحْتَمل أن يكون وَعِيداً لجميع بني آدم، ويكونُ الآخرُون من غير نَوْعِهم، كما رُوي: أنه كان ملائكةٌ في الأرْضِ يَعْبدُون الله» .
وقال الزَّمخْشَرِي:«أو خلقاً آخرين غير الإنس» وكذلك قال غيرهما.
وردّ أبو حيان هذا الوجه: بأنَّ مدلولَ آخر، وأخْرَى، وتَثْنِيتَهُمَا، وجَمْعهُمَا، نحو مدلول «غير» إلا أنه خاصٌّ بجنسِ ما تقدَّمه. فإذا قلت:«اشتريت فرساً وأخرَ، أو: ثوباً وآخر، أو: جاريَة وأخْرى، أو: جاريتين وأخريين، أو جواري وأُخَرَ» لم يكن ذلك كُلُّه إلا من جِنْس ما تقدم، حتى لو عنيت «وحماراً آخر» في الأمثلة السابقة لم يَجُزْ، وهذا بخلاف «غير» فإنَّها تكون من جِنْسِ ما تقدَّم ومن غيره، تقول «اشتريْتُ ثوباً وغيره» لو عَنَيْت: «وفرساً غيره» جاز.
قال:«وقَلَّ مَنْ يَعْرِف هذا الفرق» . وهذا الفرقُ الذي ذكره وردَّ به على هؤلاء الأكابر غيرُ موافقٍ عليه، لم يستند فيه إلى نَقْل، ولكن قد يُرَدُّ عليهم ذلك من طريقٍ أخْرَى، وهو أنَّ «آخرين» صِفَةٌ لموصوف محذوف، والصِّفَةُ لا تقوم مقام موصوفها، إلا إذا كانت خاصَّة بالموصوف، نحو:«مررت بكاتبٍ» ، أو يدلُّ عليه دَلِيل، وهنا ليست بِخَاصَّةٍ، فلا بد وأن تكونَ من جِنْسِ الأوَّلِ؛ لتحصُلَ بذلك الدِّلالةُ على الموصُوفِ المَحْذُوف.
وقال القرطبي: وهذا كقوله في آية أخرى: {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يكونوا أَمْثَالَكُم}[محمد: ٣٨] وفي الآية تَخويفٌ، وتنبِيه لمن كان له ولايةٌ وإمَارَةٌ، أو رياسةٌ فلا يعدل في رعيته، أو كان عَالِماً فلا يَعْمَل بعلْمهِ، ولا يَنْصَح النَّاسَ، {وَكَانَ الله على ذلك قَدِيراً} ، والقُدْرَة: صِفَة أزليَّة لا تَتَنَاهَى مَقْدُوراته، كما لا تتناهى مَعْلُومَاته، والمَاضِي والمُسْتقبل في صِفَاتِه بمعنًى واحدٍ، وإنما خصَّ الماضِي بالذكر؛ لئلا يُتوهَّم أنَّه يحدث في صِفَاتِه وذاته، والقُدْرَة: هي التي يكُون بها الفِعْل، ولا يجوزُ وُجُود العَجْزِ مَعها.