للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقد ردَّ أبو حيَّان [هذا الوجه: بأنَّه يَلْزَم منه تقييدُ كونهم قوَّامين بحال الشَّهادَةِ، وهم مأمُورُون بذلك مُطْلَقاً] .

وهذا الردُّ ليْس بِشَيْءٍ؛ فإن هذا المَعْنَى نَحَا إلَيْه ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قال: كُونُوا قوَّامِين بالعَدْل في الشَّهَادَة على من كانت، وهذا هُو مَعْنَى الوَجْه الصَّائِر إلى جَعْل شُهَداء حالاً.

الثالث: أن يكون صِفَة ل «قوَّامين» ، ومَعْنَى قوله: «للَّه» أي: لِذَات اللَّه، ولوجْهِه ولمرْضَاتِه، وثَوَابِه.

قوله: {وَلَوْ على أَنْفُسِكُمْ} «لو» هذه تَحْتَمل أنْ تَكُونَ على بَابِها من كَوْنِها حرفاً لما كان سَيَقعُ لوقُوعِ غَيْرِه، وجوابُها مَحْذُوفٌ، أي: ولو كُنْتثم شُهَدَاءَ على أنْفُسكم، لوجب عَلَيْكُم أن تَشْهدوا عليها.

وأجاز أبو حيَّان أن تَكُونَ بمعنى: «إن» الشَّرطِيّة، ويتعلَّق قوله: «عَلَى أنْفُسِكُم» بمحذوفٍ، تقديرُه: وإن كنتم شُهَدَاء على أنْفُسِكم، فكونوا شُهَدَاءَ لله، هذا تَقْدِيرُ الكلام، وحذفُ «كان» بعد «لو» كَثِيرٌ، تقول: ائتِني بِتَمْر، ولو حَشَفاً، أي: وإن كان التَّمْر حشفاً، فأتني به.

انتهى.

وهذا لا ضرورةَ تدْعُوا إليه، ومجيءُ «لو» بِمَعْنى: «إنْ» شَيْء أثبته بعضهم على قِلَّة، فلا يَنْبَغي أن يُحْمَل القُرآنُ عليه.

وقال ابْن عَطِيَّة: «عَلى أنْفُسِكُم» متعلِّقٌ ب «شهداء» .

قال أبو حيان «فإنْ عَنَى ب» شُهَدَاءَ «المَلْفُوظ به، فلا يَصِحُّ، وإن عَنَى به ما قَدَّرْناه نَحْن، فيصِحُّ» يعني: تقديره: «لو» بمعنى: «إنْ» وحَذْفَ «كان» ، واسمِها، وخبرها بَعْد «لو» ، وقد تقدَّم أن ذَلِك قَلِيلٌ، فلم يبق إلا انَّ ابن عَطِيّة يريد «شُهَداءَ» مَحْذُوفةً؛ كما قَدَّرْتُه لك أولاً، نحو: «ولو كُنْتُم شُهَدَاء» على أنفسكم، لوجَبَ عليْكُم أن تَشْهَدُوا.

وقال الزَّمَخْشَرِيُّ: «ولو كَانَتِ الشَّهَادةُ على أنفسكُم» فجَعَل «كَان» مُقَدَّرةً وهي تَحْتَمِلُ في تَقْدِيره التَّمَام والنُّقْصَان: فإنْ قدَّرْتَها تَامةً، كان قوله «على أنْفُسِكُم» متعلِّقاً بنفسِ الشَّهَادة، ويكون المَعْنَى: «ولو وُجِدَتِ الشهادةُ على أنْفُسِكُم» وإن قدَّرْتَها نَاقِصَةً، فيجوزُ أنْ يكون «على أنْفُسِكُم» متعلِّقاً بمَحْذُوفٍ على أنَّه خَبرُهَا، ويجُوز أن يكُون متعلِّقاً بنفس الشَّهادة، وحينئذ يكُون الخَبَر مقدَّراً، والمَعْنَى: «ولو كَانَتِ الشَّهَادةُ على أنْفُسِكُم موجُودةً» إلا أنَّه يلزمُ مِنْ جَعْلِنا «على أنْفُسِكُم» متعلِّقاً بالشَّهادة، حذفُ المَصْدرِ وإبقاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>