للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

١٨٩٢ - ألَمْ أكُ جَارَكُم ويَكُونَ بَيْنِي ... وَبَيْنَكُمُ الْمَوَدَّةُ والإخَاءُ

وعَبَّر ابنُ عَطِيَّة بعبارة الكوفيين، فقال: «بفتحِ العَيْن على الصَّرْف» ويعنون بالصَّرْف: عدمَ تَشْريكِ الفِعْلِ مع ما قَبْلَه في الإعْرَاب.

وقرأ أبيّ: «ومنعناكم» فعلاً ماضياً، وهي ظاهرةٌ أيضاً؛ لأنه حُمِلَ على المَعْنَى، فإنَّ معنى «أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ» : إنَّا قد اسْتَحْوَذْنا، لأنَّ الاستفهامَ إذا دخل على نَفْي قَرَّره، ومثلُه: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا} [الشرح: ١، ٢] لَمَّا كان «أَلم نَشْرَحْ» في معنى: «قد شَرحْنَا» عُطِفَ عليه «ووضَعْنا» .

ونَسْتَحْوِذُ واستحوذ مِمَّا شَذَّ قياساً، وفَصُحَ استعمالاً؛ لأنَّه مِنْ حقِّه نَقْلُ حركةِ حَرْفِ علَّتِه إلى السَّاكِن قبلها، وقَلْبها ألفاً؛ كاسْتَقَام واسْتَبَان وبابه، وقد قدمت تَحْقِيق هذا في قوله - تعالى - في الفاتحة: «نَسْتَعين» ، وقد شذَّت معه ألفاظٌ أخَرُ، نحو: «أغْيَمَتْ وأغيلت المرأة وأخيَلت السَّماء» قصرها النَّحْوِيُّون على السَّماع، وقاسها أبُو زَيْد.

قوله: {فالله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} قيل: هنا مَعْطوفٌ مَحْذُوف، أي: وبينهم؛ كقوله: [الطويل]

١٨٩٣ - فَمَا كَانَ بَيْنَ الخَيْرِ لَوْ جَاءَ سَالِماً ... أبُو حُجُرٍ إلَاّ لَيَالٍ قَلَائِلُ

أي: وبيني، والظَّاهرُ أنه لا يحتاج لذلك؛ لأن الخِطَاب في «بَيْنَكُم» شاملٌ للجَميع، والمرادُ: المُخَاطَبُون والغَائِبُون، وإنما غَلَّبَ الخطاب؛ لما عَرَفْتَ من لُغَة العرب.

فالمعنى: أنَّ الله يَحْكُم بين المُؤمنين والمُنَافقين يوم القيامةِ، ولم يَضِع السَّيْف في الدُّنْيَا عن المُنَافِقِين، بَلْ أخّر عِقَابِهِم إلى يَوْم القِيَامَةِ.

قوله: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً} .

قال عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: في الآخِرة، قال يُسَيْع الحضرمِيّ: كُنْتُ عند عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -، فقال [له] رجُلٌ يا أمير المُؤمنين: أرأيْت قوله - تبارك وتعالى -: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً} . كيف ذَلِك، وهم يُقَاتِلُوننَا ويَظْهَرُون علينا أحْيَاناً.

<<  <  ج: ص:  >  >>