وعَبَّر ابنُ عَطِيَّة بعبارة الكوفيين، فقال:«بفتحِ العَيْن على الصَّرْف» ويعنون بالصَّرْف: عدمَ تَشْريكِ الفِعْلِ مع ما قَبْلَه في الإعْرَاب.
وقرأ أبيّ:«ومنعناكم» فعلاً ماضياً، وهي ظاهرةٌ أيضاً؛ لأنه حُمِلَ على المَعْنَى، فإنَّ معنى «أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ» : إنَّا قد اسْتَحْوَذْنا، لأنَّ الاستفهامَ إذا دخل على نَفْي قَرَّره، ومثلُه:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا}[الشرح: ١، ٢] لَمَّا كان «أَلم نَشْرَحْ» في معنى: «قد شَرحْنَا» عُطِفَ عليه «ووضَعْنا» .
ونَسْتَحْوِذُ واستحوذ مِمَّا شَذَّ قياساً، وفَصُحَ استعمالاً؛ لأنَّه مِنْ حقِّه نَقْلُ حركةِ حَرْفِ علَّتِه إلى السَّاكِن قبلها، وقَلْبها ألفاً؛ كاسْتَقَام واسْتَبَان وبابه، وقد قدمت تَحْقِيق هذا في قوله - تعالى - في الفاتحة:«نَسْتَعين» ، وقد شذَّت معه ألفاظٌ أخَرُ، نحو:«أغْيَمَتْ وأغيلت المرأة وأخيَلت السَّماء» قصرها النَّحْوِيُّون على السَّماع، وقاسها أبُو زَيْد.
قوله:{فالله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} قيل: هنا مَعْطوفٌ مَحْذُوف، أي: وبينهم؛ كقوله:[الطويل]
أي: وبيني، والظَّاهرُ أنه لا يحتاج لذلك؛ لأن الخِطَاب في «بَيْنَكُم» شاملٌ للجَميع، والمرادُ: المُخَاطَبُون والغَائِبُون، وإنما غَلَّبَ الخطاب؛ لما عَرَفْتَ من لُغَة العرب.
فالمعنى: أنَّ الله يَحْكُم بين المُؤمنين والمُنَافقين يوم القيامةِ، ولم يَضِع السَّيْف في الدُّنْيَا عن المُنَافِقِين، بَلْ أخّر عِقَابِهِم إلى يَوْم القِيَامَةِ.
قوله:{ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً} .
قال عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: في الآخِرة، قال يُسَيْع الحضرمِيّ: كُنْتُ عند عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -، فقال [له] رجُلٌ يا أمير المُؤمنين: أرأيْت قوله - تبارك وتعالى -: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً} . كيف ذَلِك، وهم يُقَاتِلُوننَا ويَظْهَرُون علينا أحْيَاناً.