كقوله:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله}[الفتح: ١٠] ، وسمّي المُنَافِق مُنَافِقاً؛ أخذاً من: نَافِقَاء اليَرْبُوع؛ وهي جُحْره؛ فإنه يَجْعَلُ له بَابَيْن، يَدْخُلُ من أحدهما ويَخْرُجُ من الآخَر؛ كذلك المُنَافِق، يَدْخُل مع المؤمنين بقوله: أنا مُؤمِنٌ، [ويدخل مع الكَافِر بقوله: أنا كَافِر] ، وجُحْرُ اليَرْبُوعِ يُسَمَّى النَّافِقَاء، والسَّاميَاء والدَّامياء، [فالسَّامِيَاء] : هو الجحر الذي تلد فيه الأنْثَى، [والدامياء: هو الذي يَكُون] فيه.
قوله:«وَهُوَ خَادِعُهُمْ» فيه ثلاثة أقْوَالٍ:
أحدها: ذكرَه أبُو البقاء: أنه نَصْبٌ على الحَالِ.
والثاني: أنَّها في مَحَلِّ رفعٍ عطْفاً على خَبَر «إنَّ» .
الثالث: أنَّها استِئْنَاف إخْبَار بِذَلك.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ:«وخادعٌ: اسم فاعِل من خَادعْتُه، فَخَدَعْتهُ إذا غَلَبْتهُ، وكنت أخْدَع مِنْه» . قوله:«وَهُوَ خَادِعُهُم» أي: مُجَازيهم بالعِقَاب على خِدَاعِهم.
قال ابن عبَّاس: إنهمَ يُعْطَوْن نوراً يَوْم القِيَامةِ كالمؤمنين، فيَمْضِي المُؤمِنُون بنورهم على الصِّراطِ، ويُطْفَأ نور المُنَافِقِين، يدلُّ عليه قوله:{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذي استوقد نَاراً فَلَمَّآ أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَاّ يُبْصِرُونَ}[البقرة: ١٧] .
قوله:«وإذا قَامُوا» عطفٌ على خَبَر «إنَّ» أخبر عَنْهم بِهَذِه الصِّفَاتِ الذَّميمة، و «كُسَالى» : نصبٌ على الحَالِ من ضَمِير «قَامُوا» الواقع جواباً، والجُمهورُ على ضمِّ الكاف، وهي لُغة أهل الحِجاز [جمع كَسْلان: كسَكَارَى] ، وقرأ الأعرج بفتحها، وهي لُغَةُ تميم وأسَدٍ، وقرأ ابن السَّمَيْفع:«كَسْلى» وصَفَهم بِمَا تُوصف به المُؤنَّثَة المفردةُ، اعْتِبَاراً بمعنى الجماعة؛ كقوله:«وتَرَى الناسَ سَكْرى» ، والكسلُ: الفُتُورُ والتواني، وأكْسَل: إذا جَامَعَ وفَتَر ولم يُنْزل. والمعنى: أن المُنَافِقِين إذا قامُوا إلى الصَّلاةِ، قاموا مُتَثَاقِلِين، لا يُرِيدُون بها الله - تعالى -، فإن رَآهم أحَدٌ، صلَّوا، وإلا انْصَرَفُوا فَلَمْ يُصَلُّوا.
قوله:«يُراؤون [النَّاسَ] » في هذه الجُمْلَةِ ثلاثةُ أوجه:
أحدُها: أنها حَالٌ من الضَّمير المُسْتَتر في «كُسَالى» .