وحقيقةُ المذبذب الذي يُذَبُّ عن كلا الجانبين، أي: يُذاد ويُدْفع، فلا يقرُّ في جانبٍ واحدٍ، كما يقال:» فُلانٌ يُرْمَى به الرَّحَوانِ «، إلا أنَّ الذبذبة فيها تكريرٌ ليْسَ في الذَّبِّ، كأنَّ المعنى: كلَّما مالَ إلى جانبٍ ذَبَّ عنه» .
قال ابن الأثير في «النهاية» وأصْلُه من الذَّبِّ وهو الطَّرْدُ؛ ومنه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ:«تزوَّجْ وإلَاّ فأنْتَ مِنَ المُذَبْذَبِينَ» أي: المَطْرُودين عن المؤمنين لأنَّكَ لم تَقْتَدِ بهم، وعن الرُّهْبَانِ؛ لأنك تَرَكْتَ طَريقَتَهُم، ويجُوز أن يكُونَ من الأوّل.
و «بَيْنَ» معمولٌ لقوله: «مُذَبْذَبِينَ» و «ذَلِكَ» إشارةٌ إلى الكُفْر والإيمانِ المدلولِ عليهما بذكْرِ الكافرين والمؤمنين، ونحو:[الوافر]
أي: إلى السَّفَهِ؛ لدلالة لفظ السفيه عليه، وقال ابن عطية:«أشر إليه، وإن لم يَجْرِ له ذِكْرٌ؛ لتضمُّن الكلام له؛ نحو:{حتى تَوَارَتْ بالحجاب}[ص: ٣٢]{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}[الرحمن: ٢٦] يعني توارتِ الشمسُ، وكُلُّ من على الأرْضِ؛ قال أبو حيان» وليس كذلك، بل تقدَّم ما يدُلُّ عليه «وذكر ما قدَّمْتُه، وأشير ب» ذَلِكَ «وهو مفردٌ لاثنين؛ لما تقدَّم في قوله {وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذلك}[البقرة: ٦٨] .
قوله:{لَا إلى هؤلاء وَلَا إِلَى هؤلاء} » إِلَى «في الموضعيْنِ متعلقةٌ بمحْذُوف، وذلك المحذوف هو حالٌ حُذِفَ؛ لدلالة المعنى عليه، والتقدير: مُذَبْذَبينَ لا مَنْسُوبينَ إلى هؤلاء ولا منسوبين إلى هؤلاء، فالعاملُ في الحال نَفْسُ» مُذَبْذَبينَ «، قال أبو البقاء:» وموضعُ {لا إلى هؤلاءِ} نصبٌ على الحالِ من الضمير في مذبذبين، أي: يتذبذبون مُتَلَوِّنينَ «وهذا تفسير معنًى، لا إعراب.
فصل
قال قتادة: معنى الآيَة: ليْسُوا مُؤمِنين مُخْلصِينَ، فَيَجِبُ لَهُم مَا يجِبُ للمُؤمنين، ولا مُشْرِكين مُصَرِّحِين بالشِّرْكِ.