قال بعضهم: انْتَصَبَ «حَقّاً» على مِثْلِ قولك: «زَيْدٌ أخُوك حَقّاً» ، تقديره: أخْبَرْتُك بهذا المَعْنَى إخْبَاراً حَقّاً.
والثاني: أنه حالٌ من قوله: «هُمُ الكَافِرُونَ» قال أبو البقاء: أي: «كَافِرُون غير شَكٍّ» وهذا يشبه أن يكونَ تفسيراً للمصْدر المؤكد، وقد طعن الواحديُّ على هذا التوجيه؛ فقال:«الكُفْرُ لا يكُونُ حَقًّا بوجْهٍ من الوجوه» ، والجوابُ: أنَّ الحقَّ هنا ليس يرادُ به ما يقابلُ الباطلَ، بل المرادُ به أنه ثابتٌ لا محالةَ، وأنَّ كفرهم مقطوعٌ به.
الثالث: أنه نعتٌ لمصدر محذوف، أي: الكافرون كُفْراً حَقًّا، وهو أيضاً مصدر مؤكِّد، ولكن الفرق بينه وبين الوجه الأول، أنَّ هذا عاملُه مذكورٌ، وهو اسمُ الفاعل، وذاك عاملُه محذوف.
فصل
أي: كانوا كَافِرين حَقّاً لوجْهَيْن:
الأول: أن الدَّليلَ الذي يدُلُّ على نُبُوَّة البَعْضِ، ألزم مِنْه القطع بأنَّه حَيْث حصلت المُعْجِزَة حصلت النُّبُوَّة، فإن جَوَّزْنَا في بَعْضِ المواضِع حُصُول المُعْجِز بدُون الصِّدْق، تعذَّر الاستدلال بالمُعْجِزِ على الصِّدْق، وحينئذٍ يَلْزَم الكُفْرُ بِجَميعِ الأنْبِيَاءِ، فَثَبت أنَّ من لَمْ يَقْبَل نُبُّوة أحدٍ من الأنْبِيَاء، لَزِمَهُ الكُفْرُ بجَميعِ الأنْبِيَاءِ.
فإن قيل: هَبْ أنه يَلْزَم الكُفْرُ بكل الأنْبِيَاءِ، ولكن لَيْسَ إذا توجَّه بَعْضُ الإلْزَامَاتِ على إنسانٍ، لزِمَ أن يكُون ذَلِك الإنْسَان قَائِلاً به، فإلْزَامُ الكُفْرِ غَيْر [والتزام الكفر غير] فالقَوْمُ لمَّا لمْ يَلْتَزِمُوا ذلك، فكَيْفَ يَقْضِي عَلَيْهم بالكُفْرِ.
فالجواب:[الإلْزَامُ] إذا كان خَفِيّاً بحَيْث يُحْتَاج فيه إلى فِكْرٍ وتأمُّلٍ، كان الأمْرُ كما ذَكَرْتم، أمَّا إذا كان جَلِيّاً وَاضِحاً، لم يَبْقَ بَيْن الإلْزَامِ والالْتِزَام فَرْقٌ.
الوجه الثاني: هو أنّ قَبُولَ البَعْضِ دون الكُلِّ إن كان لِطَلَبِ الرِّيَاسَة، كان ذلك في الحقيقة كُفْراً بكل الأنبياء [عليهم السلام] .