ثم قال [- تعالى -] : {وَآتَيْنَا موسى سُلْطَاناً مُّبِيناً} أي: حُجَّة بَيِّنَة، وهي الآيات السَّبْع. قوله:{وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطور بِمِيثَاقِهِمْ} [في «فوقهم» : وجهان: أظهرهما أنه متعلق ب «رَفَعْنا» ، وأجاز أبو البقاء وجهاً ثانياً وهو أن يكونَ متعلقاً بمحذوفٍ لأنه حالٌ من الطور. و «بميثاقهم» متعلقٌ أيضاً بالرفع، والباءُ للسببية، قالوا: وفي الكلامِ حذفُ مضافٍ تقديرُه: بنقض ميثاقهم] . [و] قال بَعْضُ المفَسِّرين: إنهم امْتَنَعُوا من قُبُول شَرِيعَة التَّوْرَاةِ، ورفع الله الجَبَل فَوْقَهُم حَتَّى قَبِلُوا، والمعنَى: ورفَعْنَا فَوْقَهُم الطُّورَ؛ لأجْلِ أن يُعْطُوا المِيثَاقَ بقُبُول الدِّين.
وقال الزمخشريُّ:«بِمِيثَاقِهِمْ: بسبب ميثاقهم؛ ليخافوا فلا ينقضُوه» وظاهر هذه العبارة: أنه لا يُحْتَاجُ إلى حذْفِ مضاف، بَلْ أقول: لا يجُوزُ تقدير هذا المضافِ؛ لأنه يقتضي أنهم نقضوا الميثاق، فرَفَعَ اللَّهُ الطُّورَ عليهم؛ عقوبةً على فعلِهِمُ النقضَ، والقصةُ تقتضي أنَّهم هَمُّوا بنقضِ الميثاق، فرفعَ اللَّهُ عليهم الطُور، فخافُوا فلم يَنْقُضُوهُ، [وإن كانوا قد نَقَضُوه] بعد ذلك، وقد صَرَّحَ أبو البقاء بأنهم نقضوا الميثاقَ، وأنه تعالى رفع الطُّور عقوبةً لهم فقال:«تقديرُه: بنَقْضِ ميثاقِهِمْ، والمعنى: ورَفَعْنَا فوقَهُمُ الطُّور؛ تخْويفاً لَهُمْ بسبب نقْضِهِم الميثاق» ، وفيه ذلك النظرُ المتقدِّم، ولقائلٍ أن يقول: لمَّا هَمُّوا بنقْضه وقاربوه، صحَّ أن يقال: رَفَعْنَا الطُّورَ فوقهم؛ لنقضهم الميثاق، أي: لمقاربتهم نقضَهُ، لأنَّ ما قارب الشيء أعْطِيَ حكمَه؛ فتصِحُّ عبارةُ مَنْ قدَّر مضافاً؛ كأبي البقاء وغيره.
وقال بَعْضُ المُفَسِّرين: إنَّهُم أعْطوا المِيثَاقَ على أنهم إن هَمُّوا بالرُّجُوع عن الدِّينِ، فاللَّهُ - تعالى - يُعَذِّبهم بأيِّ أنْواعِ العذابِ، أراد: فَلَمَّا هَمُّوا بَتَرْكِ الدِّينِ، أظَلَّ اللَّهُ الطُّورَ عَلَيْهِم. والميثاق مصدر مضاف لمفعوله، وقد تقدَّم في البقرة الكلام على قوله {ادخلوا الباب سُجَّداً} ، و «سُجَّداً» حالٌ من فاعل «ادْخُلُوا» .
قوله:«لَا تَعْدُوا» قرأ الجمهور: «تَعْدُوا» بسكون العين، وتخفيف الدال مِنْ عَدَا يَعْدُو، كَغَزَا يَغْزُو، والأصل:«تَعْدُوُوا» بواوين: الأولى لام الكلمة والثانية ضمير الفاعلين، فاستثقلتِ الضمة على لام الكلمة، فحُذِفَتْ، فالتقى بِحَذْفِها ساكنان، فحُذِفَ الأوَّل، وهو الواو الأولى، وبقيتْ واو الفاعلين، فوزنه: تَفْعُوا ومعناه: لا تعْتَدُوا ولا تَظْلِمُوا باصْطِيَاد الحِيتانِ فيه.