للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

العطف؛ لأن البدل تابعٌ بنفسه من غير توسُّطِ حرفِ عطفٍ، وأُجيبَ عنه بأنه لمَّا طالَ الكلام بين البدل والمبدلِ منه، أعادَ الفاءَ للطُّولِ، ذكر ذلك أبو البقاء والزَّجَّاج والزمخشريُّ وأبو بَكْرٍ وغيرهم.

ورَدَّه أبو حيان بما معناه أنَّ ذلك لا يجوز لطُول الفصْل بين المبدَلِ والبدل، وبأنَّ المعطوفَ على السببِ سببٌ، فيلزمُ تأخُّرُ بعضِ أجزاءِ السبب الذي للتحريم في الوقتِ عن وقت التحريم؛ فلا يمكنُ أن يكون سبباً أو جزء سببٍ إلا بتأويلٍ بعيدٍ، وذلك أن قولهم: {إِنَّا قَتَلْنَا المسيح} وقولهم على مريم البهتان إنما كان بعد تحْريم الطيبات، قال: «فالأوْلَى أن يكونَ التقدير: لَعَنَّاهُمْ، وقد جاء مصرَّحاً به في قوله: فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم» .

والثاني: أنه متعلقٌ بمحذوف، فقدَّره ابنُ عطيَّة: لعنَّاهُمْ وأذْلَلْنَاهُمْ وختمنا على قلُوبهم، قال: «وحَذْفُ جواب مثْلِ هذا الكلام بليغٌ» ، وتسميةُ مثل هذا «جَوَاب» غيرُ معروف لغةً وصناعةً، وقدَّره أبو البقاء: «فَبِمَا نَقْضِهِمْ ميثاقَهُمْ طُبعَ على قُلُوبِهِمْ، أوْ لُعِنُوا، وقيل: تقديرُه: فبما نقضهِمْ لا يُؤمِنُونَ، والفاءُ زائدةٌ» .

[أي: في قوله تعالى {فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَاّ قَلِيلاً} ] . انتهى. وهذا الذي أجازه أبو البقاء تَعَرَّضَ له الزمخشريُّ، وردَّه، فقال: «فإن قلْتَ: فهلَاّ زَعَمْتَ أنَّ المحذوفَ الذي تعلَّقَتْ به الباء ما دَلَّ عليه قوله» بَلْ طَبَعَ اللَّهُ، فيكون التقديرُ: فبمَا نقضِهِمْ طَبَعَ اللَّهُ على قُلُوبِهِمْ، بل طَبَعَ الله عَلَيْهَا بكُفْرهِمْ قلت: لم يصحَّ لأن قوله: {بل طبع الله عليها بكفرهم} ردٌّ وإنكارٌ لقولهم: «قُلُوبُنَا غُلْفٌ» ، «فكانَ متعلِّقاً به» ، قال أبو حيان: «وهو جوابٌ حسنٌ، ويمتنعُ من وجهٍ آخر، وهو أنَّ العطفَ ب» بَلْ «للإضرابِ، والإضرابُ إبطالٌ، أو انتقالٌ، وفي كتاب الله في الإخبار لا يكون إلا للانتقالِ، ويُسْتفادُ من الجملةِ الثانية ما لا يُسْتفاد من الأولى، والذي قَدَّره الزمخشريُّ لا يَسُوغُ فيه الذي قرَّرناه؛ لأنَّ قوله: فَبِمَا نَقْضِهِم ميثَاقَهُمْ وَكُفْرهِمْ بآياتِ الله وقوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا [هو مدلولُ الجمْلة التي صَحبتها» بَلْ «، فأفادت الثانِيَة ما أفَادَتِ الأولَى، ولو قُلْت: مرَّ زَيْد بِعَمْرو، بل مَرَّ زَيْدٍ بعمرو، لم يَجُزْ» . وقَدَّرَهُ الزمَخْشَرِي: فَعَلْنَا بِهِم ما فَعَلْنَا، وتقدَّم الكَلَام على الكُفْرِ بآيَاتِ اللَّهِ، وقَتْلِهِم الأنْبِياءَ بغَيْرِ حَقٍّ في البَقَرة.

وأمَّا قولُهم: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} جمع غِلَافٍ، والأصل «غُلُفٌ» بتحريك اللَاّم، وخُفِّفَ كما قِيلَ بالتَّسْكِين؛ ككُتْب وَرُسْل بتَسْكِين التاءِ والسِّين والمَعْنَى على هذا: أنهم قالوا:

<<  <  ج: ص:  >  >>