للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قوله سبحانه: {كَمَآ أَوْحَيْنَآ} : الكافُ نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، أي: إيحاءً مثْلَ إيحَائِنَا، أو على أنه حالٌ من ذلك المصدر المحذوف المقدَّرِ معرَّفاً، أي: أوحينَاهُ، أي: الإيحاءَ حال كونه مُشْبِهاً لإيحَائِنَا إلى مَنْ ذكر، وهذا مذهبُ سيبويه، وقد تقدَّم تحقيقه، وفي «ما» وجهان: أن تكون مصدريةً؛ فلا تفتقر إلى عائدٍ على الصحيح، وأن تكون بمعنى «الذي» ، فيكون العائدُ محذوفاً، أي: كالذي أوحيناهُ إلى نوح، و «مِنْ بعْدِهِ» متعلقٌ ب «أوْحَيْنَا» ، ولا يجوز أن تكون «مِنْ» للتبيين؛ لأنَّ الحالَ خبرٌ في المعنى، ولا يُخْبَرُ بظرفِ الزمانِ عن الجثَّة إلا بتأويلٍ، وأجاز أبو البقاء أن يتعلَّق بنفس «النَّبيِّينَ» ، يعني أنه في معنى الفعل؛ كأنه قيل: «وَالَّذِينَ تَنَبَّئُوا من بَعْدِهِ» وهو معنى حَسَنٌ.

فصل لماذا ذكر نوح - عليه السلام - أولاً

قالوا: إنَّما بَدَأ - تعالى - بذِكْرِ نُوحٍ؛ لأنه كان أبا البَشَرِ مِثْل آدم - عليه السلام -، قال: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقين} [الصافات: ٧٧] ؛ ولأنَّه أول نَبِيٍّ شرحَ الله على لِسَانِه الأحْكَام، وأوَّل نَذِيرٍ على الشِّرْك، وأوَّل من عُذِّبَتْ أمَّته لردِّهم دَعْوَتَه، وأهْلِك أهْلُ الأرْضِ بدُعَائِهِ، وكان أطْوَل الأنْبِيَاءِ عُمُراً، وجُعِلَت مُعْجِزَتُه في نَفْسِهِ، لأنَّه عمر ألْفَ سَنَةٍ، فلم تَنْقُص له سِنٌّ، ولم تَشِبْ له شَعْرَةٌ، ولم تَنْتقصْ له قُوَّة، ولم يَصْبِر أحَدٌ على أذَى قَوْمِهِ مِثْل ما صَبَر هُو على طُولِ عُمُرِه.

فصل

قوله [- تعالى -] {إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إلى نُوحٍ والنبيين مِن بَعْدِهِ} ثم خصَّ بعض النَّبِييِّن بالذِّكْرِ؛ لكونهم أفْضَلَ من غَيْرهم؛ كقوله:

{وملاائكته

وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: ٩٨] .

واعْلَم أنَّه ذكر في هذه الآية اثْنَا عشرة نَبِيًّا، ولَمْ يذكُر مُوسَى مَعَهُم؛ لأن اليَهُود قالُوا: إنْ كُنْتَ يا مُحَمَّد نَبِيًّا [حَقًّا] ، فأتِنَا بكتابٍ من السَّماءِ دَفْعَةً واحِدَةً؛ كما أتى موسى - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - بالتَّوْرَاةِ دفعةً واحدةً؛ فأجَابَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَة بأنَّ هؤلاء الأنْبِيَاءِ الاثْنَي عشر، كانوا أنْبِيَاءَ وَرسُلاً، مع أنَّ واحداً منهم لم يأتِ بكتاب مثل التَّوْراةِ دفْعَةً واحِدَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>