أي: ألَاّ تُبَاعَ، وقال أبو إسحاق الزَّجاج:«هو مثل قوله تعالى: {إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولَا}[فاطر: ٤١] أي: لئلا تَزُولا، وقال أبو عبيد:» رَوَيْتُ للكسائيِّ حديث ابن عُمَر وهو: «لا يَدْعُونَّ أحدُكُمْ على وَلَدِهِ أن وَافَقَ مِنَ الله إجَابَة» فاستحسنه، أي: لئلَاّ يوافق.
قال النَّحَّاس: المعنى عند أبي عُبَيْد: لئلا يُوافِق من اللَّه إجابة، وهذا القَوْلُ عند البصريِّين خطأ؛ لأنهم لا يُجِيزُون إضْمَار «لا» ، والمعنى عندهُم: يبيِّن الله لَكُم كرَاهَة أنْ تَضِلُّوا، ثم حذف؛ كما قال:{ [واسأل القرية] }[يوسف: ٨٢] ، وكذا معنى الحديث، أي كَراهَة أن يُوافِقَ من اللَّه إجَابَة.
الثالث: أنه مفعول «يُبَيِّنُ» ، والمعنى: يبيِّن الله لكُمُ الضلالة، فتجتنبونَها؛ لأنه إذا بيَّن الشر اجتُنِبَ، وإذا بيَّن الخيرَ ارتُكِب.
فصل
اعلم أن في هذه السُّورَة [الشَّرِيفَة] لَطِيفَة عَجِيبة، وهي أن أوَّلَها مشتمل على بيان كمال قُدْرَة الله - تعالى -؛ لقوله:{ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ}[النساء: ١] وهذا دَالٌّ على سِعَة القُدْرَة، وآخِرَهَا مُشْتَمِلٌ على بيان كَمَالِ العِلْمِ، وهو قوله تعالى:{والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وهذا الوَصْفَان؛ أعني: العِلْم والقُدْرَة بهما تثبت الرُّبُوبِيَّة والإلهِيَّة والجلال والعِزَّة، وبهما يَجب على العَبْد أن يكُون مُطِيعاً للأوامر والنَّواهِي، مُنقَاداً للتَّكَالِيف.
رُوِي عن البَرَاء [بن عَازِب] قال: آخِرُ سُورَة [نَزَلت] كَامِلَة {بَرَآءَةٌ مِّنَ الله}[التوبة: ١] وآخر آية نزلت، آخر سُورة النِّسَاءِ:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِي الكلالة} .
وروي [عن] ابن عباس؛ [أنَّ] آخِر آية نزلت آية الرِّبَا، وآخر سُورة نزلت:{إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح}[النصر: ١] .
ورُوي بعدمَا نَزَلَتْ سُورة «النصْر» عاشَ رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بَعْدَهَا سِتَّة أشْهُر، ثم نَزَلَتْ