للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

والثاني: [أنَّهُ] مُتَعَدٍّ لاثْنَيْنِ، [كما أنَّ «كَسَبَ» كَذلِكَ، وأمَّا في الآية الكريمة فلا يكون إلَاّ مُتَعَدِّياً لاثْنَيْن:] أوَّلُهمَا: ضَمِيرُ الْخطَابِ، والثَّانِي: «أنْ تَعْتَدُوا» أيْ: لا يَكْسِبَنَّكُمْ بُغْضُكَمْ لقوم الاعْتِدَاءَ عَلَيْهِمْ.

وَقَرَأ عَبْدُ الله «يُجْرِمَنَّكُمْ» بِضَمِّ الياءِ مِنْ «أجْرَمَ» رُبَاعِيّاً.

وقيل: هو بمعنى «جَرَم» كما تقدم عن الكِسَائِي.

وقيل: «أجْرَمَ» مَنْقُولٌ مِنْ «جَرَم» بهمزة التَّعْدِية.

قال الزَّمَخْشَرِيّ: «جَرَمَ» ؛ يجري مَجْرَى «كَسَبَ» في تعْدِيَتهِ إلى مَفْعُولِ وَاحِدٍ وإلى اثْنَيْن، تقولُ: جَرَمَ ذَنْباً أيْ كَسَبَهُ، وجرَمْتَهُ ذَنْباً، أيْ كَسَبْتَهُ إيَّاهُ، ويقال أجْرَمْتُه ذَنْباً على نقل المُتَعَدِّي إلى مفعولٍ بالهمزةِ إلى مَفْعُولَيِْنِ كقولك: أكْسَبْتُهُ ذَنْباً، وعليه قراءةُ عبْدِ الله «وَلَا يُجْرمَنَّكُمْ» وأوَّلُ المفعوليْنِ على القراءتين ضَمِيرُ المُخَاطَبِينَ. وثانيهما: «أَنْ تَعْتَدُوا» اه.

وأصلُ هذه المادةِ - كما قال ابنُ عيسَى الرُّمَّانِي - القطعُ، فَجَرَمَ حُمِلَ عَلَى الشَّيءِ لِقَطْعِهِ عَنْ غيره، وجَرَمَ كَسَبَ لانْقِطَاعِهِ إلى الكَسْبِ، وجَرَمَ بِمَعْنَى حَقَّ؛ لأنَّ الحَقَّ يُقْطَعُ عَلَيْهِ.

قَالَ الخَلِيلُ: {لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النار} [النحل: ٦٢] أيْ: لقد حَقَّ [هكذا] قاله الرُّمانيُّ، فجعل بين هذه الألفاظ قَدْراً مُشْتركاً، وليس عنده مِنْ باب الاشْتِراكِ اللَّفْظِيّ.

و «شَنآن» [معناه] : بُغْض، وهو مَصْدَرُ شَنىءَ، أيْ: أبْغَضَ.

وقرأ ابْنُ عَامِرٍ وأبُو بَكرٍ عَنْ عَاصِمٍ «شَنْآنُ» بسُكونِ النُّونِ، والباقون بِفَتْحِهَا، وجَوَّزُوا فِي كُلٍّ منهما أنْ يكونَ مَصْدراً، وأنْ يكُونَ وَصْفاً حَتَّى يُحْكى عَن أبِي عَلِيٍّ أنَّهُ قال: مَنْ زَعَمَ أنَّ «فَعلَان» إذَا سُكِّنَتْ عَيْنُهُ لَم يكُنْ مَصْدَراً فَقَدْ أخْطَأ، لأنَّ «فَعْلان» بِسُكُونِ الْعَيْنِ قَلِيلٌ في المصَادِرِ، نحو: لَوْيتُه دَيْنَه لَيَّاناً، بَلْ هُوَ كَثير في الصِّفَاتِ نَحْوُ: سَكْرَان وَبَابُهُ و «فَعَلَان» بالْفَتْحِ قليلٌ في الصفاتِ، قالُوا: حِمَارٌ قَطَوَان، أي: عَسِرُ السير، وتَيْسٌ عَدَوَان.

<<  <  ج: ص:  >  >>