قال أبُو عُبَيْدَة: حدثنا حَجَّاجٌ عَنْ هَارُونَ، قَالَ: قَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ فذكرها قال: وهذا لا يَكُونُ إلَاّ عَلَى اسْتِئْنَافِ الصَّدِّ، يعني إنْ وقع صَدٍّ آخر، مِثْلُ ما تَقَدَّمَ في عام «الحُدَيْبِيَة» .
ونَظْمُ هذه الآياتِ على ما هِيَ عَلَيْهِ مِنْ أبْلَغِ مَا يَكُونُ وأفْصَحه، وليس فيها تقديمٌ ولا تأخيرٌ كما زعم بعضُهم، فقال: أصلُ تركيب الآية الأولى {غَيْرَ مُحِلِّي الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}[المائدة: ١] فإذا حَلَلْتُمْ فاصْطَادُوا.
ونَظَّرَه بآيةِ البقرةِ يَعْنِي:{إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ}[البقرة: ٦٧] ، وهذا لا حاجة إليه مع أنَّ التقديمَ والتَّأخيرَ عند الجمهورِ مِنْ ضَرَائِرِ الشِّعْرِ، فَيَجِبُ تَنْزيهُ القرآنِ عَنْه، ولَيْست الجملةُ - أيضاً - مِنْ قوله:{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فاصطادوا} مُعْتَرِضَةً بَيْن قوله: {ولاا آمِّينَ البيت الحرام} وبَيْنَ قوله: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ} ، بَلْ هي مؤسِّسةٌ ومُنْشِئَةٌ حُكْماً، وهو حِلُّ الاصْطيادِ عند التَّحَلُّلِ مِنَ الإحْرَامِ، والجملة المُعْتَرِضَةٌ إنَّما تُفِيدُ تَوْكيداً وتَسْديداً، وهذه مفيدةٌ حُكْماً جَدِيداً كما تقدم.
وقوله:«أنْ تَعْتَدُوا» قَدْ تقدم أنَّه مِنْ مُتعلقاتِ {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ} على أنَّه مَفْعُولٌ ثانٍ، أوْ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الجر، فمَنْ كَسَرَ {إنْ صَدُّوكُمْ} يكُون الشرطُ وجوابُه المقدَّرُ في مَحَلِّ جرٍّ صِفَةً ل «قَوْم» ، أيْ: شَنَآنُ قَوْمٍ هذه صِفَتُهُم ومَنْ فتحها فمحلُّها الجَرُّ والنَّصْبُ، لأنَّها على حَذْفِ لامِ الْعِلَّةِ كما تقدم.
قال الزَّمخْشَرِيُّ: والمعنى: ولا يَكْسِبَنَّكُمْ بُغضُ قَوْمٍ؛ لأنَّ صدوكم الاعتداء ولا يحملنكم عليه.
قال أبو حيّان: وهذا تفسيرُ مَعْنًى لا تفسير إعْراب؛ لأنّه يمتنعُ أنْ يكون مدلولُ «جرم» حمل وكسب في استعمالٍ واحدٍ لاختلاف مُقتضاهما، فَيَمْتَنِعُ أنْ يكُون [أنْ تَعْتَدوُا] في مَحَلِّ مفعول به، ومحلُّ مفعولٍ على إسْقاطِ حَرْف الجر.
قال شهابُ الدِّين: هذا الذي قاله لا يتصَوَّرُ أنْ يتوهمه من له أدْنَى بَصَرٍ بالصِّنَاعةِ حتى ينبِّهَ عليه.
وقد تقدم قراءةُ البَزِّي في نحو:«ولا تَعاوَنُوا» وأنَّ الأصَل: [ «تتعاونوا»