وعاش بعدها إحْدَى وثمانِينَ يَوْماً، ومات يَوْم الاثنَيْنِ بعدما زَاغَتِ الشمسُ لليلتين خَلَتَا من شهرِ ربيع الأوَّلِ سَنَة إحْدَى عَشَر مِنَ الْهِجْرَةِ، وقيل: يومَ الاثنين يَوْمَ الثاني عشر مِنْ ربيع الأولِ، وكانت هجرتُه في الثاني عشر مِنه.
فقوله:{اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} يَعْنِي يوم نُزولِ هذه الآيةِ أكملتُ لكُمْ دينكمْ الفَرائِضَ والسُّنَنَ، والحدُودَ والجهادَ، والحلالَ والحرامَ، فلم ينزل بعد هذه الآيةِ حلالٌ ولا حرامٌ ولا شيءٌ من الفرائِضِ، وهذا [معنى] قولِ ابْنِ عباسٍ.
ورُوي عنه أنَّ آيةَ الرِّبَا نزلت بعدها، وقال سَعِيدُ بنُ جُبَيْر وقتادةُ:{اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فلم يَحُجَّ معكم مشْرِكٌ، وقيل: أظهرت دينَكُمْ وأمَّنْتكم من العدُوِّ، وقوله تعالى:{اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} يَقْتَضِي أن الدين كان نَاقِصاً قَبْلَ ذلك، وذلك يُوجِب أنَّ الدينَ الذي كان عليه محمدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مُواظِباً عليه أكْثَرَ عُمُرِه كان ناقصاً، وإنما وُجِدَ الدينُ الكامل في آخر عمرِهِ مُدَّةً قليلةً.
وأجَابُوا عنه بوجُوهٍ:
أحدها: أنَّ المرادَ ما تقدم من إزالةِ الخوفِ عنهم، كما يقولُ الملِكُ إذا اسْتَوْلى على عدوه وقَهَرَهُ قَهْراً كُلِّياً: كَمُلَ ملكُنَا، وهذا ضَعيفٌ؛ لأنَّ مُلْكَ ذلك المَلِك كان قبل قَهْرِ العدو ناقصاً فينبغي على هذا أن يُقال: إنَّ دينَ محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان ناقصاً قبل ذلك اليوم.
ثانيها:[أنَّ] المراد أكملتُ لكُم ما تَحْتَاجُون إليه في تكاليفكم من تعاليم الحلالِ والحرامِ، وهذا - أيضاً - ضعيفٌ؛ لأنه لو لم يُبَيّن قبل هذا اليوم ما كانوا مُحْتاجين إليه من الشرائعِ، كان ذلك تأخيراً للبيانِ عن وقت الحاجة، وأنه لا يَجُوزُ.
وثالثها: وهو المختارُ ما ذكره القفَّالُ وهو أن الدينَ ما كان ناقصاً ألْبَتَّةَ، بل كان كامِلاً أبداً، وكانت الشرائِعُ النازِلةُ من عند الله تعالى في كل وقت كافية في ذلك إلا أنه تعالى كان عالماً في أوّل وقتِ المبعثِ في أن هذا اليوم ليس بكاملٍ في الغَدِ، ولا مَصْلَحَةَ فيه، فلا جَرَمَ كان يُنْسَخ بعد الثبوت، وكان ينزل بعد العدم، وأما في آخر زمانِ المبْعَثِ فأنزل الله شريعةً كامِلَةً، وحكم ببقائها إلى يوم الدِّين.