الحُكْمِ في جميع الوقائعِ، [إذْ لَوْ بَقِيَ بَعْضُهَا غَيْرَ مُبَيَّنِ الحكم لم يكن الدينُ كامِلاً، وإذا حصلَ النص في جميع الوقائعِ] فالقياسُ إنْ كان [على] وفْقِ النصِّ كان عَبَثاً، وإنْ كان خلافَهُ كان باطِلاً.
وأجيبُ بأن المرادَ بإكْمالِ الدينِ أنَّهُ تعالى بيَّن حُكْمَ جَميعِ الوَقَائِعِ بعضها بالنص، وبعضُها بيَّن طريقَ الحكمِ فيها بالقياسِ فإنَّهُ تعالى لما جَعَل الوقائع قِسْمَيْن:
أحدهما: التي نَصَّ على أحكامهما.
والثاني: أنواعٌ يمكنُ استنباطُ الحكمِ فيها بواسطةِ قياسِها على القسم الأولِ، ثم إنَّه تعالى أمَرَ بالقياسِ، وتعبَّد المُكَلفِين به فكان ذلك في الحقيقة بياناً لِكُل الأحْكامِ.
قال نُفاةُ القياسِ: الطريقُ المقتضيةُ لإلحاقِ غَيْرِ المنصُوصِ بالمنصُوصِ، إمَّا أنْ تكونَ قَطْعِيَّةً أو غَيْرَ قَطْعِيَّةٍ.
فإنْ كانت قطعيّةً فلا نِزاعَ في صحته، فإنَّا نسلم أن القياسَ المبنيّ على المقدمات اليَقِينيَّةِ حُجةٌ، وهذا القياسُ يكون المصِيبُ فيه واحداً، ومخالِفهُ يَسْتَحِقُّ العقاب وينْقَصُ به قضاءُ القاضِي، وأنتم لا تقولون بذلك، وإنْ كانت طريقة ظنية كان كل واحدٍ يُمْكِنُه أنْ يَحْكُمَ بما غلب على ظَنِّه مِنْ غَيْرِ أنْ يَعْلَم [هل] هو دين اللَّهِ أمْ لا؟ وهل هو الحكمُ الذي حكم [به الله] أم لا؟ ومثل هذا لا يكون إكْمالاً للدّين، بل يكون ذلك إلقاءً للخلقِ في وَرطَة الظُّنونِ، وأجيب بأنه إذَا كان كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُكَلَّفاً بالعمل بمقتضى ظَنِّه [كان] ذلك إكْمَالاً ويكون كُلُّ مكلفٍ قاطعاً بأنَّه عامل بحكم الله تعالى.
قوله سبحانه:{وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}«عليكم» متعلقٌ ب «أتممت» ، فلا يجوزُ [تعلُّقهُ] ب «نعمتي» ، وإن كان فعلها يتعدَّى ب «على» نحو: {للذي أَنعَمَ الله عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ}[الأحزاب: ٣٧] ؛ لأن المصدر لا يتقدَّمُ عليه معمولُه، إلا أن ينُوبَ مَنَابَهُ.
قال أبُو البقاءِ: فإنْ جعلتهُ على التَّبِيين أيْ: «أتْمَمْتُ» أعْنِي «عَلَيْكُمْ» جاز ولا حاجة إلى ما ادّعَاهُ.