قوله سبحانه وتعالى: «تُعَلِّمُونَهُنَّ» فيه أربعةُ أوْجُهٍ:
أحدها: أنَّهَا جُملةٌ مستأنَفَةٌ.
الثاني: أنَّهَا جملة في محلِّ نصبٍ على أنَّها حال ثانية من فاعل «عَلَّمتُم» .
ومنع أبُو البقاء ذلك؛ لأنَّه لا يجيز للعامل أنْ يعمل في حالين، وتقدَّم الكلامُ في ذلك.
الثالث: أنَّها حال من الضَّميرِ المستكنِّ في «مكلِّبين» فتكونُ حالاً من حالٍ، وتُسمَّى المتداخلة وعلى كلا التقديرين المتقدمين فهي حال مؤكِّدة؛ لأن معناها مفهوم من «علمتم» ، ومِنْ «مُكَلِّبين» .
الرابعُ: أن تكون جملةً اعتراضيةً، وهذا على جَعْلِ ما شرطيّة أو موصولة خبرها «فَكُلُوا» فيكونُ قد اعترض بين الشَّرْط وجوابه، أو بين المبتدأ وخبره.
فإن قيل: هَلْ يجوز وجهٌ خَامِسٌ، وهو أن تكون هذه الجملة حالاً من «الجَوَارِحِ» ، أو من الجوارح حال كوْنِهَا تُعلمُونَهُنَّ؛ لأنَّ في الجملة ضمير ذِي الحلالِ؟
فالجوابُ: أنَّ ذلك لا يجوزُ لأنه يؤدِّي إلى الفَصْلِ بين هذه الحال وبين صاحبها بأجنبِيٍّ، وهو مُكَلِّبينَ الذي هو حال من فاعل «علمتم» .
وأنث [الضمير في «تُعَلِّمُونَهُنَّ» ] مراعاة للفظِ الجوارحِ؛ إذْ هو جمع جارحةٍ، ومعنى «تُعَلِّمُونَهُنَّ» تؤدبونهن أدبَ أخذ الصَّيد، {مِمَّا عَلَّمَكُمُ الله} أي من العلم الذي «عَلَّمَكُمُ اللَّهُ» .
وقال السدي: أي كما علمكم الله، " من " بمعنى الكاف، والمقصود منه المبالغة في التعظيم.
قوله تعالى: {فكلوا مما أمسكن عليكم} في " من " وجهان:
أظهرهما: أنها تبعيضية؛ لأن الدم والريش لا يؤكل، كقوله: {كلوا من ثمره إذا أثمر} [الأنعام: ١٤١] وهي صفة لموصوف محذوف هو مفعول الأكل، أي: فكلوا شيئا مما أمسكن عليكم.
والثاني: أنها زائدة لا تزاد في الإثبات، وإنما تزاد في النفي والاستفهام، وهو قياس قول الأخفش.
قال القرطبي: وخطأه البصريون فقالوا: " من " لا تزاد في الإثبات وإنما تزاد في