قال مَكِّي: من جعل الصَّعيد: الأرْضَ، أو وَجهَ الأرْضِ نصب «صعيداً» على الظَّرْف، ومنْ جَعَل الصَّعيد: التُّرَاب نَصَبَ على أنَّهُ مَفْعُولٌ به، حذف مِنْهُ حرف الجَرِّ: بِصَعِيدٍ، و «طَيِّباً» نَعْتُهُ، أي: نَظِيف.
وقيل: طيِّباً مَعْنَاهُ: حَلالاً، فَيَكُون نَصْبُهُ على المَصْدَرِ، أو على الحَالِ.
فصل
وهذا يَدُلُّ على جَوَازِ التَّيَمُّم للمَرِيضِ، ولا يُقَال: إنَّه شَرَط فيه عَدَمَ المَاءِ؛ لأنَّ عدم المَاءِ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ بِغَيْرِ مَرَضٍ، وإنَّما يَرْجِع قوله:{فَلَمْ [تَجِدُواْ] مَآءً فَتَيَمَّمُواْ} إلى المُسَافِر.
والمَرضُ ثلاثةُ أقْسَامٍ:
أحدها: أن يَخَافَ الضَّرَر والتَّلَفَ باسْتِعْمَال الماءِ، فهذا يجُوزُ له التَّيَمُّم بالاتِّفَاقِ.
والثاني: ألَاّ يخافَ الضَّرَرَ [ولا] التَّلَفَ، فقال الشَّافِعِيُّ: لا يجُوزُ له التَّيَمُّمُ، وقال مالِكٌ وأبُو حَنِيفَة: يجُوزُ لِقَوْلِهِ: {وَإِن كُنتُم مرضى} .
الثَّالِثُ: أنْ يَخَافَ الزِّيَادَةَ في العِلَّةِ، وبُطْءَ البرءِ، فيجوزُ لَهُ التَّيَمُمُ عند أحْمد، وفي أصَحِّ القَوْلَيْن للشَّافِعِيِّ، وبه قال مالكٌ وأبو حنيفة، فإن خَافَ بقاء شين في العُضْوِ، فقال بَعْضُهُم: لا يَتَيممُ، وقال آخَرُون: يتَيممُ وهو الصَّحِيحُ.
فصل
يجوز التيمم في السَّفَرِ القَصِيرِ، للآيَة، وقال بَعْضُهُم: لا يجوزُ؛ إذا كان مَعَهُ مَاءٌ وحيوانٌ مُشْرِفٌ على الهَلاك جَازَ له التَّيَمُّمُ، ووَجَب صَرْفُ المَاء إلى [ذَلِكَ] الحَيَوان.
فصل
فإن لَمْ يكنْ مَعَهُ ماءٌ، وكان مع غيره، ولا يُمْكِنه أن يشْتَرِيَهُ إلَاّ بالغَبْنِ الفَاحِشِ جَازَ لَهُ التَيمُّم، لقوله:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدين مِنْ حَرَجٍ}[الحج: ٧٨] ، فإن وَهَبَ منه ذلك الماء، فقيل: لا يَجِبُ قُبُولُه لِمَا فِيهِ مِن المنَّة، فإن أُعِير [منه] الدَّلْو والرشاء، فقال الأكْثَرُون: لا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ لِقِلَّةِ المِنَّة في هَذِه العَادَةِ.