للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أظهرها: [أنَّ «مِنَ» ] مُتعلِّق بقوله: «أخَذْنَا» ، والتَّقدير الصَّحيح فيه أنْ يُقال: تقديره: وأخْذَنا مِن الذين قالُوا: إنَّا نَصَارى ميثاقَهُمْ، فَتُوقعُ «الَّذِين» بعد «أخَذْنَا» وتُؤخر عنهم «ميثاقَهُمْ» ، ولا يجُوز أن تُقدِّر: «وأخَذْنَا مِيثاقَهُمْ» مِن «الَّذين» فيتقدَّم «ميثاقُهم» على «الذيِن قَالُوا» .

وإن كان ذَلِكَ جَائِزاً من حيث كَوْنِهمَا مَفْعُولَيْنِ، كلٌّ منهما جَائِز التَّقْديم والتَّأخير؛ لأنَّه يلزم عَوْدُ الضَّمير على مُتَأخِّر لَفْظاً ورتْبة وهو لا يجُوز إلا في مَوَاضِع مَحْصُورة، نصَّ على ذَلِك جماعة منهم مَكِّي وأبُو البَقَاء.

والثاني: أنَّهُ متعلِّق بمَحْذُوف على أنَّهُ خبر لمُبْتَدأ مَحْذُوف، قامت صِفَتُهُ مقامَهُ، والتَّقْدِير: {وَمِنَ الَّذِين قالوا إِنَّا نَصَارى قَوْمٌ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ} ، فالضَّمير في «مِيثَاقَهُم» يعودُ على ذلك المَحْذُوف.

والثالث: خَبرٌ مقدَّم - أيضاً - ولكن قَدَّرُوا المُبْتدأ مَوْصُولاً حُذِف، وبقيت [صِلَتُه] والتقدير: ومِن الَّذِين قالوا: إنَّا نَصَارَى مَنْ أخذْنَا ميثَاقَهُم فالضمير في «مِيَثاقَهُم» عائد على «مِنْ» ، والكوفِيُّون يُجِيزُونَ حذفَ الموصول، وقد تقدم لنا معهم البَحْثُ في ذلك، ونقل مَكِّي مذهب الكُوفيِّين هذا، [وقدَّره عندهم: «ومن الذين قالوا إنَّا نصارى من أخذنا» ] ، وهذا التَّقدير لا يُؤخَذُ مِنْه أنَّ المحذوف مَوْصُولٌ فقط، بل يَجُوز أن تكون «مِنْ» المُقَدَّرة نكرةٌ موصُوفَةٌ حذفت وَبقِيَت صِفَتُها، فيكون كالمَذْهَبِ الأوَّل.

الرابع: أن تتعلَّق «من» ب «أخذنا» كالوجه الأوَّل، إلا أنَّه لا يلْزَمُ فيه ذلك التَّقْدير، وهو أن توقع «من الَّذين» بعد «أخذنا» وقبل: «مِيثَاقَهُم» ، بل يجُوزُ أن يكون التَّقْدير على العَكْسِ، بمعنى: أنَّ الضَّمير في «مِيثاقَهُم» يعود على بَني إسْرائيل، ويكون المَصْدَرُ من قوله: «مِيثَاقَهُم» مصدراً تشبيهيًّا، والتَّقْدير: أخذنا من النَّصَارى مِيثَاقاً مثل مِيثاق بَنِي إسْرَائيل، كقَوْلك: أخَذْتُ من زيد ميثاقَ عَمْرو، أي [ميثاقاً مثل ميثاق عمرو] ، وبهذا الوَجْه بدأ الزَّمَخْشَري، فإنَّه قال: أخَذْنَا من النَّصَارى مِيثَاق من ذكر قَبْلَهم من قَوْم مُوسَى، أي: مِثْل مِيثَاقِهم بالإيمَان باللَّه والرُّسُل.

والخامس: أن «مِن الَّذين» معطوفٌ على «مِنْهُم» في قوله: {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ على خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ} [المائدة: ١٣] أي: من اليَهُود [والمعنى: ولا تزال تَطَّلِع على خَائِنَةٍ من اليَهُودِ] ، ومن

<<  <  ج: ص:  >  >>