وقوله:{وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} ، أي: لا يُظْهِر كثيراً مما كُنْتُم تُخْفُون من الكِتَاب، فلا يتعرَّض لكم، ولا يُؤاخذكم به؛ لأنَّه لا حاجةَ له إلى إظْهَارِهِ، والفَائِدةُ في ذلك: أنهم علموا كَوْنَ الرَّسُول عالماً بكُلِّ ما يُخْفُونَه، فيصير ذلك داعياً لهم إلى تَرْكِ الإخْفَاء، لئلا يفتضح أمرهم.
والضَّمِير في» يُبَيِّنُ «و» يَعْفُو «يعود على الرَّسُول.
وقد جوَّز قومٌ أن يعود على الله تعالى، وعلى هذا فلا مَحَلَّ لِقَوْلِهِ:» يُبَيِّنُ «من الإعراب، ويمتنعُ أن يكون حَالاً من» رَسُولُنَا «لعدم الرَّابِط، وصِفَةُ» كَثِير «محذوفة لِلْعِلْمِ بها، وتَقْدِيرُه: عن كثير من ذُنُوبِكُمْ، وحذف الصِّفَة قَلِيلٌ.
قوله:{قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ الله نُورٌ} لا محلَّ له [من الإعراب] لاستئنَافِه، و» من اللَّه «يَجُوز أن يتعلق ب» جاء «، وأن يتعلَّق بمحذُوف على أنَّه حَالٌ من» نُورٌ «، قدِّمت صفة النَّكرة عليها، فنُصِبَتْ حالاً.
أظهرها: أنَّه في محلِّ رفْع؛ لأنَّهُ صفة ثَانِيَةٌ ل» كِتَاب «، وصفَهُ بالمفرد ثم بالْجُمْلَة، وهو الأصْلُ.
الثاني: أن يكون صِفَةً أيضاً لكن ل» نُورٌ «، وصَفَهُ بالمُفْرَد ثم بالجُمْلَة، ذكره أبو البقاء وفيه نظر، إذ القَاعِدَةُ أنَّه إذا اجْتَمَعَتِ التَّوابع قُدِّم النَّعْت على عَطْف النَّسَق، تقول جاء زَيْدٌ العَاقِل وعَمْرو، ولا تقُولُ: جاء زيْدٌ وعمرو العَاقِل؛ لأنَّ فيه إلباساً أيضاً.
الثالث: أن يكون حالاً من «كِتَاب» ، لأن النَّكرة لما تخصَّصَت بالوَصْف قَرُبت من المَعْرِفة.
وقياس قول أبي البقاء أنَّه يجوز أن يكون [حالاً من «نُورٌ» ، كما جاز أن يكُون] صِفَة لَهُ.