وهذه جُمْلَةٌ شرطيَّةٌ قُدِّم فيها الجزاءُ على الشَّرْط، والتَّقْدير: إن أرَاد أن يَهْلِكَ المسيحَ ابن مَرْيَم وأمَّهُ ومن في الأرض جميعاً فمن الذي يقدر أن يَدْفَعَهُ عن مُرَادِهِ ومَقْدُوره.
وقوله:{فَمَن يَمْلِكُ مِنَ الله شَيْئاً} أي: فَمَنْ يَمْلِكُ من أفْعَال الله شَيْئاً، والمُلْكُ هو القُدْرة، أي: فمن الذي يَقْدِر على دَفْعِ شَيْءٍ من أفْعال الله.
وقوله {وَمَن فِي الأرض جَمِيعاً} ، يعني: أنَّ عيسى مُشَاكِلٌ من في الأرْض في القُدْرة والخِلْقَة والتَّركيب وتغْيِير الأحوال والصِّفات، فلما سلّمتم كَوْنَهُ تعالى خَالِقاً للكُلِّ، وَجَبَ أن يكون خَالِقاً لِعيسى.
قوله:{وَمَن فِي الأرض} من باب عَطْفِ التَّامِّ على الخاصِّ، حتى يبالغ في نفي الإلهيَّة عنهما، فكأنَّه نَصَّ عليهما مَرَّتَيْن؛ مرَّة بذِكْرِهما مُفْرَدَيْن، ومرَّة بانْدِرَاجِهما في العُمُوم.
و «جميعاً» : حالٌ من المسيحِ وأمّه ومَنْ في الأرض، أو مِنْ «مَنْ» وحدَهَا لعُمُومها.
ويجُوز أن تكون مَنْصُوبَةً على التَّوْكِيد مثل «كل» ، وذكرهَا بعض النُّحاة من ألْفَاظ التوكيد.
ثم قال:{وَللَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض} ثم قال: «ومَا بَيْنَهُمَا» ، ولم يقل: بَيْنَهُنَّ؛ لأنَّه ذهب بذلك مذهب الصِّنْفَيْن والنَّوْعَيْن.
وقوله:{يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} جُمْلَة لا مَحَلَّ لها من الإعْراب لاسِئْنَافِها، وفي مَعْنَاها وجْهان:
الأول: يَخْلُقُ ما يشاء، فتارة يخلق الإنسان من ذكر وأنْثَى كما هو مُعْتَاد، وتارة لا من الأب والأم كما في [حقِّ آدم] ، وتارة من الأمِّ لا من الأب كما في حقِّ عيسى - عليه السلام -.
والثاني:{يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} يعني: أنَّ عيسى إذا قدر صور الطير من الطِّين، فالله يَخْلُق فيه الحَيَاة والقُدْرَة مُعْجِزةً لِعيسَى، وتارَةً يُحْيِي المَوْتَى، وتارة يُبْرِئ الأكْمَهَ والأبْرَص مُعْجِزةٌ لَهُ، [ولا اعتراض على الله] في شيء من أفْعْالِهِ، {والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .