للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أحدها: أنَّ هذا من باب حَذْفِ المُضَاف، أي: نحن أبناءُ رُسُلِ الله، كقوله: {إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله} [الفتح: ١٠] .

الثاني: أن لَفْظَ الابْنِ كما يُطلَقُ على ابن الصَّلْب، قد يُطْلَق - أيضاً - على من يتَّخِذُ أبْنَاء، بمعنى تَخْصِيصه بِمَزيدِ الشَّفقة والمحبَّة، فالْقَوْم لما ادَّعَوْا عِنَاية الله بِهِم، ادَّعَوْا [أنَّهُمْ أبْنَاءُ لِلَّه] .

الثالث: أنَّ اليهود زَعَمُوا أنَّ العُزَيْرَ [ابْن اللَّه] ، والنَّصَارى زَعَمُوا أنَّ المسيح ابن الله، ثم زَعَمُوا أنَّ العُزَيْرَ والمسيحَ كانَا مِنهُم كأنَّهمُ قالوا: نَحْنُ أبْنَاء الله، ألا تَرَى أنَّ أقارِبَ المَلكِ إذا فاخَرُوا أحَداً يقولون: نَحْنُ مُلُوك الدُّنْيَا، والمُرادُ: كَوْنهُم مُخْتَصِّينَ بالشَّخْصِ الذي هو الملك، فكذا هَا هُنَا.

الرابع: قال ابن عبَّاسٍ: إن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ دعا جماعَةً من اليَهُودِ إلى دين الإسْلام، وخوَّفهم بِعِقَاب اللَّه تعالى، فقَالُوا كيف تُخَوِّفُنَا بِعِقَاب الله ونَحْنُ أبْنَاء الله وأحِبَّاؤُه، فهذه الرِّواية [إنما] وقعت عن تلك الطَّائِفَة.

وأما النَّصارى فإنَّهُم يتلون في الإنجيل أنَّ المسيح قال لَهُم: أذهب إلى أبِي وأبيكُمْ، وقيل: أرَادُوا أن اللَّه تعالى كالأبِ لنا في الحُنُوِّ والعَطْفِ، ونحن كالأبْنَاء [له] في القُرْبِ والمَنْزِلَة.

وقال إبْراهيم النَّخْعِي: إنَّ اليَهُود وجدوا في التَّوْرَاة، يا أبناء [أحْبَاري، فَبَدَّلوا يا أبناء] أبْكَارِي فمن ذلك قالوا: {نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ} ، وجملة الكلام أنَّ اليهود والنَّصارى كانوا يَرَوْنَ لأنْفُسِهِم فَضْلاً على سَائِر الخَلْقِ، بسبب أسْلافِهِم الأنْبِيَاء إلى أن ادَّعَوْا ذلك.

قوله تعالى: «فَلِمَ يُعَذِّبكُمْ» هذه الفاء جوابُ شرط مقدَّر، وهو ظاهرُ كلام الزَّمَخْشَرِي، فإنَّهُ قال: فإن صَحْ أنكم أبْنَاء اللَّه وأحِبَّاؤُه فلم تُذْنِبُون وتُعذَّبُون؟ ويجُوزُ أن يكُون الكلامُ كالفَاءِ قَبْلَها في كَوْنِها عَاطِفَة على جُمْلةٍ مُقَدَّرة، أي: كَذَبْتُم فلم يُعَذِّبكُم، و «الباءُ» في «بِذُنُوبِكُم» سببية، و «مِمَّنْ خَلَقَ» صِفَة ل «بَشَر» فهو في مَحَلِّ رفع مُتعلِّق بِمَحْذُوف.

فإن قيل: القَوْمَ إما أن يدعُوا أنَّ الله عَذَّبَهُم في الدُّنْيَا أو يدَّعُوا أنَّه سيُعَذِّبُهُم في

<<  <  ج: ص:  >  >>