أخْبَرَهُم مُوسَى بأنَّ الله قال:{ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}[فقد تبيّن أنَّهُ أوْعَدَهُم] بأنَّ النُّصْرَة والغَلَبَةَ لَهُمْ، ولِذَلك خَتَمُوا كلامَهُم بقولهم:{وَعَلَى الله فتوكلوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} ، يعني: توكَّلُوا على اللَّه تعالى في حُصُول هذا النصر لكم إن كُنْتُم مُؤمنين بوجود الإله القَادِرِ، ومُؤمِنِين بِنُبُوَّةِ مُوسَى - عليه السلام -.
قوله:{قَالُواْ: ياموسى، إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا} [ «ما» ] مصْدَريَّة ظرفية و «دَامُوا» صِلَتُهَا، وهي «دَامَ» النَّاقصة، وخبرها الجارُّ بعدها، وهذا الظَّرْفُ بَدَلٌ من «أبداً» وهُوَ بَدَلُ بَعْض من كُلّ؛ لأنَّ الأبَدَ يعمُّ الزَّمَن المُسْتَقْبَل كله، ودوام [الجَبَّارين] فيها بَعْضه، وظَاهِرُ عِبَارَة الزَّمَخْشَرِيِّ يُحْتَمَلُ أن يكُون بَدَلُ [كُلٍّ] من كُلٍّ أو عَطْف بَيَان، والعَطْفُ قد يَقَعُ بَيْن النَّكِرَتَيْن على كلام فيه تقدَّم.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ:«وأبَداً» تعليق للنَّفْي المُؤكَّد بالدَّهْر المُتَطَاولِ، {مَّا دَامُواْ فِيهَا} : [بيانُ الأمْر] ، فهذه العَبَارَةُ تَحْتَملُ أنَّهُ بَدَلُ بَعْضٍ من كُلٍّ، لأنَّ بَدَل البَعْضِ من الكُلِّ مُبَيِّنٌ للمُرَاد، نحو:«أكَلْتُ الرَّغِيفَ ثُلُثَهُ» ، ويحتَملُ أن يكُون بَدَلَ كُلٍّ من كُلٍّ، فإنَّه بيانٌ أيضاً للأوَّل، وإيضَاحٌ له، نحو: رَأيْتُ زَيْداً أخَاك، ويحتمل أن يكُون عَطْفَ بَيَانٍ.
أحدها: أنَّه مرفوع عَطْفاً على الفاعِل المُسْتَتِر في «اذْهَبْ» ، وجازَ ذلِك للتَّأكِيد بالضَّمِير.
الثاني: أنَّه مَرفوع بِفَعْل مَحْذُوف، أي: ولْيَذْهَبْ رَبُّكَ، ويكون من عَطْفِ الجُمَل، وقد تقدَّم [لي نَقْلُ] هذا القَوْل والرَّدُّ عليه، ومُخَالَفَتُهُ لنَصِّ سِيبَويْه عند قَوْلِهِ تعالى:
{اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة}[البقرة: ٣٥] .
الثالث: أنَّهُ مُبْتَدأ، والخبَرُ محذُوفٌ، و «الواوُ» لِلْحَال.
الرابع: أنَّ «الواوَ» لِلْعَطْفِ، وما بَعْدَها مُبْتَدَأ محذوفٌ والخَبَرُ - أيضاً - ولا مَحَلَّ لهذه الجُمْلَة من الإعْرَاب لِكَوْنِها دُعَاءً، والتَّقْدِير: وَرَبُّكَ يُعِينُكَ.
قوله:{هَاهُنَا قَاعِدُونَ}«هُنَا» وَحْدَه الظَّرْفُ المَكَانِي الَّذِي لا يَنْصَرِفُ إلا بِجَرِّه؛ ب «مِنْ» و «إلَى» ، و «هَا» قَبْلَهُ للتَّنْبِيه كسَائِرِ أسْمَاء [الإشارة] وعامله «قَاعِدُون» ، وقد أجيز أن يكُون خَبَر [ «إنَّ» ] و «قاعدُون» خَبر ثانٍ، [وهُو بَعِيدٌ] .