{يَا أَيُّهَآ الذين آمَنُواْ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ}[المائدة: ١١] فذكر أنَّ الأعْدَاءَ يُرِيدُونَ إيْقَاعَ الْبَلَاء بِهِمْ، لَكِنَّهُ تعالى يَحْفَظُهُمْ [بِفَضْلِهِ] ويمنع أعداءهم من إيصالِ الشَّرِّ إلَيْهِمْ، ثم ذكر قِصَصاً تَدُلُّ في أنَّ كُلَّ مَنْ خَصَّهُ اللَّهُ به - تعالى - من النِّعَمِ العظيمة في الدِّينِ والدُّنْيَا فإنَّ الناس يتنازعونه حسداً، فَذَكَرَ قِصةَ النُّقَبَاءِ الاثْنَيْ عَشَرَ، وأخذ الميثاق منهم، ثم إنَّ اليهود نقضوا ذلك الميثاق حتى وقعوا في اللَّعْنِ والقساوة، وذكر بعد شِدَّة إصْرَارِ النصارى على الكفر، وقولهم ب «التَّثْلِيث» بعد ظهور الدَّلَائِل الواضحة القاطعة على فساد اعْتِقَادِهِمْ، وما ذلك إلا حسداً لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فيما آتاه الله من الدِّينِ الْحَقِّ ثم ذكر قصَّة ابْنَيْ آدم، وأنَّ أحدهما قتل الآخر حسداً على قَبُولِ قُرْبَانِهِ، وكل هذه الْقَصَصِ دالَّةٌ على أنَّ كل ذي نِعْمَة محسود، فلما كانت نِعَمُ الله على محمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أعْظَمَ النعم لم يبعد اتِّفَاق الأعداء على كَيْدِهِ، فكان ذكر هذه القصص تسلية له فيما هدّده به اليَهُود من المكر والكَيد.
وثالثها: أنَّها متعلِّقَة بقصة [محاربة] الجبَّارين، أي: ذكِّروا اليَهُود بحديث ابْنَيْ آدم؛ ليعلموا أن سَبِيل أسْلَافهم في النَّدامة والحسرة الحاصلة بسبب إقدامهم على المعاصي، مثل سَبِيل ابْنَيْ آدم في نَدَامة أحَدهما على قَتْلِ الآخَر.
رابعها: أنه مُتَّصِل بحكاية قول اليَهُود والنَّصَارَى: {نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ}[المائدة: ١٨] أي: لا ينفعهم كَوْنُهُم أولاد الأنْبِيَاء مع كُفْرِهِم، كما لم يَنْتَفِع ولد آدم بقَتْلِ أخيه بكون أبيه نَبِيّاً معظماً عند الله - تعالى -.
وخامسها: لما كَفَرَ أهل الكِتَاب بمحمَّد - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - حَسَداً أخْبَرَهُم الله - تعالى - بخبر ابْنَيْ آدم، وأنَّ الحسد أوْقَعَهُ في سُوءِ الخَاتِمة، والمقصود منه التَّحْذِير عن الحَسَدِ.