أظهرهُمَا: أنَّه منصوبٌ على المَفْعُول بعامل مضمر يَلِيقُ بالمَحَلِّ، أي: أو أتى أو عَمِل فََسَاداً.
والثاني: أنه مصدرٌ، والتقدير: أو أفْسَد فَسَاداً بمعنى إفساد فهو اسْمُ مَصْدَر، كقوله:[الوافر]
١٩٥٦ - وَبَعْدَ عَطَائِكَ المائَةَ الرِّتَاعَا ... ذكره أبو البَقَاء.
و «في الأرض» متعلِّق بنفس «فَسَاد» ؛ لأنَّك تقول:«أفْسَد في الأرْض» إلَاّ في قراءة الحسن بنَصْبِه، وخرَّجناه على النَّصْب على المَصْدرية، كما ذكره أبُو البقاء، فإنه لا يتعلَّق به؛ لأنه مصدر مُؤكِّد، وقد نَصُّوا على أنَّ المؤكد لا يعمل، فيكُون «في الأرضِ» متعلِّقاً بمحذُوف على أنه صِفَة ل «فساداً» والفاءُ في «فَكَأنَّمَا» في الموضعين جواب الشَّرْط واجِبَة الدُّخول، و «ما» كافة لحرف التَّشْبيه، والأحْسَن أن تسمى هُنَا مهيِّئة لوقوع الفِعْل بَعْدَهَا، و «جَمِيعاً» : إمَّا حال أو تَوْكِيدٌ.
فصل
قال الزَّجَّاج: التقدير: من قتل نَفَساً بغير نَفْس أو فَسَاد في الأرْض، وإنَّما قال تعالى ذلك؛ [لأنَّ] القَتْل يحل لأسْبَاب كالقصاص، والكفر، والزِّنا بعد الإحْصَان، وقطع الطَّرِيق ونحوه، فجمع تعالى هذه الوُجُوه كُلَّها في قوله تعالى {أَوْ فَسَادٍ فِي الأرض} ثم قال: {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ الناس جَمِيعاً} .
فإن قيل: كيف يكُون قتل النَّفْس الوَاحِدة مساوِياً للكُلِّ؟ فذكر المُفَسِّرُون له وُجُوهاً، وهي مَبْنِيَّة على مُقَدِّمة، وهي أنَّ تَشْبيه أحَد الشَّيْئَيْن بالآخَر، لا يَقْتَضِي الحُكْم بمُشَابَهَتِهما من كلِّ الوُجُوه، وإذا صحَّت المُقدِّمة، فنقُول: الجواب من وجوه:
أحدها:[المقصُود من تَشْبيه] قَتْل النَّفْس الواحِدَة بقَتْل النُّفُوس: المُبَالغَة في تَعْظيم أمر القَتْل العَمْدِ العُدوان وتَفْخِيم شَأنه، يعني: كما أنَّ قَتْل كلِّ الخَلْق أمر مستَعْظمٌ عند كلِّ أحَدِ، فكَذَلِك يجب أن يكون قتل الإنْسَان الواحِد مستَعْظَماً منهياً، فالمَقْصُود بيان مُشاركتهمَا في الاستِعْظَام، لا بيان مُشاركتِهمَا في مقدار الاسْتِعْظام، وكيف لا يكُون مُسْتعْظَماً وقد قال - تعالى -: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}[النساء: ٩٣] .
وثانيها: أنَّ جميع النَّاس لو عَلِمُوا من إنْسَان واحد أنَّه يقصد قَتْلَهم بأجْمَعِهِم، فلا