الأرْض فَسَاداً كذا وكذا، ومن يجز ذلك لم يَحْتَجْ إلى شيء من هذه التَّأوِيلات بل يقول تُحْمَلُ محاربتهم للَّه - تعالى - على مَعْنًى يَلِيق بها، وهي المُخالفةُ مَجازاً، ومحاربَتُهم لِرسُوله على المُقاتلةِ حَقِيقة. قوله:«فساداً» في نصبه ثلاثة أوجُه:
أحدها: أنه مَفْعُول من أجله، أي يُحَاربُون ويسْعَون لأجل الفساد، وشروط النَّصْبِ موجُودة.
الثاني: أنَّه مصدر وَاقع موقع الحَالِ: ويسْعَوْن في الأرْض مفسدين، أو ذوي فساد، أو جُعِلُوا نفس الفساد مُبالغةً، ثلاثة مذاهب [مشهورة] تقدَّم تَحْرِيرها.
الثالث: أنه منْصُوب على المصدر، أي: إنَّه نَوْع من العامل قبله، فإنَّ معنى «يَسْعَوْن» هنا: يُفْسدُون وفي الحَقِيقة، ف «فسادٌ» قائم مقام الإفساد [والتقدير:] ، ويفسدون في الأرْض بسعيهم إفْساداً.
و «فِي الأرْضِ» الظّاهر: أنه متعلِّق بالفِعْل قَبْلَه، كقوله:{سعى فِي الأرض لِيُفْسِدَ}[البقرة: ٢٠٥] .
وقد أجيز أن يكون في مَحَلِّ نَصْبٍ على الحَالِ؛ لأنَّه يجُوز أن لو تأخَّر عنه أن يكون صِفَةً له. وأجيز أن يتعلَّق أيضاً بنَفْس «فساداً» ، وهذا إنَّما يَتمشّى إذا جعلْنَا «فَسَاداً» حالاً.
أمَّا إذا جَعَلْنَاهُ مصدراً امتنع ذلك لِتَقَدُّمِهِ عليه، ولأنَّ المؤكد لا يَعْمَل.
وقرأ الجمهور «أنْ يُقَتَّلُوا» وما بعده من الفِعْلَين بالتثقيل، ومعناه: التَّكْثير بالنِّسْبَة إلى من تقعُ به هذه الأفْعَال.
وقرأ الحسن وابنُ مُحَيْصِن بِتَخْفِيفِهَا.
قوله تعالى «مِن خِلافٍ» في محلِّ نَصْبٍ على الحَالِ من «أيْدِيهِمْ» و «أرْجُلِهِمْ» أي: [تقطع مختلف] بمعنى: أن يقْطَع يَدَهُ اليُمْنَى، ورجله اليُسرى.
والنَّفي: الطَّرْد.
و «الأرض» المراد بها هاهُنَا «ما يُريدُون الإقامَة بها، أو يُراد من أرْضِهِمْ.