ويقال: إنَّ معنى: «ضربتُ له مثلاً» مَثَّلْتُ له مَثَلاً، وهذه الأبنيةِ على ضربٍ واحدٍ، وعلى مثال [واحد] ونوعٍ واحد.
والضربُ: النوعُ، والبعوضةُُ: واحِدةُ البعوض، وهو معروف، وهو في الأَصْلِ وَصْفٌ على فَعُول كالقَطُوع، مأخوذ من البَعْض، وهو القَطْع، وكذلك البَضْع والعَضْب؛ قال:[الوافر]
وقال الجوهري: البعوض: البَقُّ، الواحدة بعوضة، سُميت بذلك لصغرها.
فَصْلٌ في استحسان ضرب الأمثال
اعلم أنّ ضرب الأمثال من الأمور المستحسنة في العقول، وقد اشتهر العربُ في التمثيل بأحقر الأشياء، فقالوا في التمثيل بالذَّرَّةِ:«أجمع من ذَرَّةٍ» ، و «أضبط من ذرَّة» ، «وأخفى من ذَرَّةٍ» ، وفي التمثيل بالذُّباب:«أجرأ من الذُّبَاب» ، «وأخطأ من الذُّبَاب» ، «وأطيش من الذباب» ، و «أشبه من الذبابِ بالذباب» ، «وألخّ من الذُّبَاب» .
وفي التمثيل بالقراد:«أسمع من قراد» ، وأضعف من قرادة، وأعلق من قرادة، وأغم من قرادة، وأدبّ من قرادة.
وقالوا في الجراد: أَطْيَرُ من جَرَادة، وأحْطَم من جَرَادة، وأَفْسد من جرادة، وأصفى من لعاب الجرادة.
وفي الفراشة:«أضعف من فراشة» ، «وأجمل من فراشة» ، و «أطيش من فراشة» .
وفي البعوضةِ:«كلفني مخّ البعوضة» ، مثلٌ في تكليف ما لا يُطاق. فقولهم: ضرب الأمثال لهذه الأشياء الحقيرة لا يليق بالله تعالى.
قلنا: هذا جَهْلٌ، لأنَّهُ - تعالى - هو الذي خلق الكبير والصغير، وحكمه في كُلِّ ما خلق وبرأ عام؛ لأنَّه قد أحكم جميعه، وليس الصغير أخفّ عليه من العظيم، ولا العظيم أصعب عليه من الصَّغير، وإذا كان الكُلُّ بمنزلةٍ واحدةٍ لم يكن الكبير أَوْلَى من أن يضربه مثلاً لعباده من الصغير، بل المعتبر فيه ما يليقُ بالقضيَّةِ، وإذا كان الأليق بها الذُّباب والعنكبوت، ضرب المثل بهما، لا بالفيل والجمل، فإذا أراد أن يُقَبَّحَ عبادتهم للأصنام، ويُقَبِّحَ عدو لهم عن عبادة الرحمن، صَلَحَ أن يضرب المثل بالذُّبَاب، لِيُبَيِّنَ أن قدر مَضَرَّتها لا تندفع بهذه الأصنام، ويضرب المثل العَنْكَبُوت؛ لِيُبَيِّنَ أنَّ عبادتها أَوْهَى وأضعف