ذلك كان يحثّ على الصَّدَقة ويَنْهَى عن المُثْلة، وقال سليمان التَّيْمِي عن أنس: إنَّما سَمَل النبي - صلَّى الله] عليه وعلى آله وسلَّم - أعْيُن هؤلاء؛ لأنَّهم سَمَلُوا أعْيُنَ الرُّعَاة.
وقال الليث بن سَعْد: نزلَت هذه الآيَةُ مُعَاتِبَةً لِرسُول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - وتَعْلِيماً له عُقُوبَتهم وقال: إنَّما جَزَاؤهم لا المُثْلَة، ولذلك ما قَامَ النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - خَطِيباً إلا نَهَى عن المُثْلَة.
وقيل: نزلت هذه الآية في الَّذِين حُكي عنهم من بَنِي إسرائيل - أنَّهُم بعد أنْ غلظ عليهم عِقَابُ القَتْلِ العَمْدِ العُدْوان، فهم مُسْرِفون في القَتْلِ ويُفْسِدون في الأرْض، فمن أتى منهم بالقَتْلِ والفَسَادِ في الأرْضِ فَجَزَاؤهُم كذا وكذا.
وقيل: نزلت هذه الآية في قطَّاعِ الطَّرِيق من المُسْلِمين [وهذا قول] أكثر الفقهاء قالوا: والذي يدل على أنَّهُ لا يَجُوز حَمْلُ الآية على المُرْتَدِّين من وجوه:
أحدها: أنَّ قطع المرتدِّ لا يقف على المُحَاربة، ولا على إظهار الفَسَاد في دار الإسلام، والآية تَقْتَضِي ذلك.
وثانيها: لا يجوز الاقتصَار في المرتدِّ على قَطْعِ اليَدِ، ولا على النَّفْي، والآية تقتضي ذلك.
وثالثها: أن الآية تَقْتَضِي سقوط الحد بالتَّوْبة قبل القُدْرة؛ لقوله تعالى {إِلَاّ الذين تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ} .
والمرتَدُّ يسقط حَدُّه بالتَّوبة قبل القُدْرة وبعدها، فدلَّ على أن الآية لا تعلُّقَ لها بالمُرْتَدِّين.
ورابعها: أن الصَّلْب غير مشْرُوع في حق المُرْتَدِّ، وهو مشروع هاهنا فوجَب ألا تكون الآية مُخْتَصَّة بالمرتدِّين.
وخامسها: أنَّ قوله تعالى: {الذين يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَاداً} يتناول كل من يُوصَف بهذه سواءً كان مُسْلِماً أو كافراً، ولا يُقالَ: الآية نزلت في الكُفَّار؛ لأن