للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

رَجَع إلى المَقْصُود الأوَّل وقال {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ اتقوا الله وابتغوا إِلَيهِ الوسيلة [وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ] } ، كأنه قيل: قد عَرَفْتُمْ كمال جَسَارَةِ اليَهُودِ على المَعَاصِي والذُّنُوب، وبُعْدهم عن الطَّاعَات الَّتِي هي الوَسَائِلُ للعبد إلى الرَّبِّ، فكُونُوا يا أيُّها المُؤمِنُون بالضَّدِّ من ذلك فاتَّقوا معَاصِي اللَّه، وتوسَّلُوا إليه بالطَّاعات.

والثاني: أنهم لما قالوا: {نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: ١٨] .

أي: أبْنَاء أنبياء الله فكان افتخارهم بأعْمَال آبَائِهِم كأنَّه تعالى قال: «يا أيها الذين آمنوا [اتّقوا الله] ولتكن مفاخرتكم بأعمالكم لا بشرف آبائكم وأسلافكم، فاتّقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة» .

في قوله تعالى: «إليه» ثلاثةُ أوجُه:

أحدها: أنه مُتعلِّق بالفِعْل قبله.

الثاني: أنه متعلِّق بنفس «الوَسيلَة» .

قال أبو البقاء: لأنَّها بمعنى المتوسَّل به، فلذلك عَمِلَت فيما قبلها.

يعني: أنَّها ليست بِمَصْدَر، حتى يمتَنِع أن يتقدَّم مَعْمُولها عليها.

الثالث: أنه مُتعلِّق بِمَحْذُوف على أنَّه حال من «الوَسِيلَة» ، وليس بالقَوِي.

و «الوسيلة» أي: القُرْبة، فَعِيلَة مِنْ توسَّل إليه فلانٍ بكذا إذا تقرَّب إليه، وجمعها: وَسَائِل.

قال لبيد: [الطويل]

١٩٥٩ - أرى النَّاسَ لا يَدْرُونَ ما قَدْرُ أمْرِهِمْ ... ألَا كُلُّ ذِي لُبٍّ إلى الله وَاسلُ

أي: متوسّل، فالوسِيلة هي التي يتوسَّلُ بها إلى المَقْصُودِ.

فصل

قال ابن الخطيب: التَّكْلِيفُ نوعان: ترك المَنْهِيَّات: وهو قوله تعالى «اتَّقُوا الله» ، وفعل الطَّاعات: وهو قوله {وابتغوا إِلَيهِ الوسيلة} ، والتَّرك مُقَدَّم على الفِعْل بالذَّات؛ لأنه بَقَاء على العَدَم [الأصلي] ، والفعل إيجاد وتَحْصِيل، والعَدَمُ سابق، ولذلك قُدِّمَت التَّقْوى فإن قيل: لِمَ اختصّت الوسِيلَة بالفعل، مع أنَّ ترك المَعَاصي قد يكون وَسِيلة؟

<<  <  ج: ص:  >  >>