أنْ تكونَ هذه السرقةُ سرقَةً لمقدارٍ مَخْصُوصٍ من المالِ، وذلك القَدْرُ مذكورٌ في الآية، فكانت الآيةُ مُجْملةً.
وثانيها: أنَّهُ تعالى أوْجب قطع الأيمانِ والشمائِلِ وبالإجماع لا يجبُ قطعُهما معاً فكانت الآيةُ مجملةً.
وثالثها: أن اليدَ اسمٌ يتناولُ الأصابعَ وحدها، ويقعُ على الأصابع مع الكفِّ، والسَّاعِدِ إلى المِرْفَقَيْنِ، ويقعُ على كل ذلك إلى المنْكِبينِ، وإذا كانَ لَفْظُ اليدِ مُحْتَمِلاً لِكُلِّ هذه الأقسامِ والتعيينُ غَيْر مذكورٍ في هذهِ الآيةِ فكانتْ مُجْمَلةً.
ورابعها: أن قوله: «فاقْطَعُوا» خطابٌ مع قومٍ، فيحتملُ أنْ يكونَ هذا التكليفُ واقِعاً على مَجْموعِ الأمَّةِ، وأنْ يكونَ واقعاً على طائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ منهم، وأنْ يكونَ على شَخْص مُعَين منهم، وهو إمامُ الزمانِ كما ذهب إلَيْه الأكثرُون، ولمّا لم يكن التعيينُ مَذْكوراً في الآية كانتْ مُجْملةً، فثبتَ بهذه الوجُوهِ أنَّ هذه الآية مُجملةٌ على الإطلاقِ.
وقال قومٌ من المُحَقِّقِين: إنَّ الآية ليستْ مُجْمَلةً ألْبَتَة، وذلك لأنَّا بَيَّنَّا أنَّ الألفَ واللامَ في قوله تعالى «والسارقُ والسارقةُ» قائمانِ مقام «الذي» والفاءُ في قوله «فاقْطَعُوا» للجزاءِ، وكما أنَّ التقدير: الذي سَرَقَ فاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ تأكّدَ هذا بقوله تعالى:{جَزَآءً بِمَا كَسَبَا} وذلك أنَّ الكَسْبَ لا بُدَّ وأنْ يكونَ المرادُ به ما تقدم ذِكرُهُ، وهو السَّرِقَةُ، فصار هذا الدليلُ على مَنَاطِ الحُكم [ومتعلقه] هو ماهية السرقة، ومقتضاهُ أنْ يَعُمَّ الجزاءُ أينما حصل الشرطُ. اللهَّم إلاّ إذا قام دليلٌ مُنْفصِلٌ يَقْتَضِي تخصيصَ هذا العامِّ، وأمّا قوله:«الأيْدِي» عامَّة، فنقول: مُقْتضاه قطعُ الأيدي، لكنَّه لما انعقَدَ الإجماعُ على أنه لا يجبُ قطعهُما معاً، ولا الابتداءُ [باليد] اليُسْرى، أخرجناه مِنَ الْعُمُومِ.
وأمَّا قوله:«لفظُ اليَدِ دَائرٌ بَيْنَ أشياء» .
فنقولُ: لا نُسَلِّمُ، بل اليَدُ اسمٌ لهذا العُضْو إلى المنْكِبِ ولهذا السَّبَبِ قال تعالى:{فاغسلوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق}[المائدة: ٦] ولولا دخولُ العَضُديْنِ في هذا الاسم، وإلَاّ لما احتيج إلى التَّقييدِ بقوله «إلى المرَافِقِ» . فظاهرُ الآيةِ: يُوجِبُ قَطْعَ اليديْنِ من المنكِبَيْنِ كما هو قولُ الخوارج: إلَاّ أنَّا تركنا ذلكِ لدليلٍ مُنْفصل وأما قوله «رَابِعاً» يَحْتَمِلُ أن يكُونَ الخطابُ مع واحدٍ مُعَيَّنٍ.
قُلْنا: ظاهِرُه أنَّهُ خطابٌ مع [كُل أحدٍ] ، تُرِكَ العملُ بِهِ، فلما صار مَخْصُوصاً بدليلٍ مُنْفَصِل فَيَبْقَى مَعمولاً به في الْبَاقِي فالحاصلُ أنَّا نقُولُ: الآيةُ عامةٌ صارت