مَضْبُوطَةٍ، فربَّما اسْتَحْقَر الملكُ الكبيرُ آلافاً مُؤلَّفَةً، وربما اسْتَعْظَمَ الفقيرُ طسُّوجاً، ولهذا قال الشافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: لو قال: لِفُلانٍ عليَّ مالٌ عَظِيمٌ، ثم فسره بالحبةِ، يقبل قوله فيه لاحتمالِ أنَّه كان عظيماً في نظره، أو كان عظيماً عنده لغاية فَقرِهِ وشدةِ احتياجِهِ إليه، ولما كانت مقاديرُ القِلَّةِ والكَثْرةِ غيْرَ مَضْبُوطةٍ، وَجَبَ بِنَاءُ الحكمِ على أقل ما يُسَمَّى مالاً.
وليس لقائلٍ أنْ يَسْتَبْعِدَ ويقُولَ: كيف يجوزُ [القطعُ في سرقةِ] الطسوجة الواحدةِ، فإنَّ الملحد قد جعلَ هذا طَعْناً في الشريعةِ فقال: اليدُ لما كانت قيمَتُها خَمسمائَةِ دينارٍ من الذَّهَبِ، فكيف تُقْطَعُ لأجل القليلِ من المالِ؟ ثُم إنْ أجَبْنَا عن هذا الطعنِ، بأنَّ الشرعَ إنما قطعَ يدهُ بسبب أنه تَحمَّل الدناءَةَ والخساسَةَ في سرقَةِ ذلك القدرِ القليلِ، فلا يَبْعُدُ أنْ يعاقبه الشرعُ بسبب تلك الدناءَةِ بهذه العُقُوبةِ العظيمةِ، وإذاً كَانَ هذا الجوابُ مَقْبُولاً مِنَّا في إيجابِ القطْعِ في القليلِ والكثيرِ، قال: ومِمَّا يدلُ على أنَّهُ لا يجوزُ تخصيصُ عمومِ القرآنِ هَاهُنَا بخبرِ الواحدِ، وذلك لأن القائلينَ بتخصيصِ هذا العمومِ اختلفُوا على وجوهٍ:
قال الشافعيُّ: يجبُ القطعُ في رُبْعِ دينارٍ، وروى فيه قوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ «لا قَطْعَ إلَاّ في رُبْعِ دينارٍ» وقال أبُو حنيفَةَ: لا يجبُ إلَاّ في عشرةِ دراهم مضرُوبة، وروى قوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ «لا قطع إلا في ثَمنِ المجَنِّ» قال: والظاهر أنَّ ثمن المجَنّ لا يكون أقلَّ من عشرة دراهم.
وقال مالكٌ وأحْمدُ وإسحاقُ: يُقدر بثلاثةِ دراهم أو رُبْعِ دينار وقال ابنُ أبِي لَيْلَى: مُقَدَّرٌ بخمسةِ دراهمَ، وكلُّ واحدٍ من هؤلاءِ المجتهدين يطعنُ في الخبرِ الذي يرويه الآخرُ، فعلى هذا التقدير: فهذهِ المُخَصصَاتُ صارتْ متعارِضةً، فوجب ألَاّ يُلْتَفَتَ إلى شَيْءٍ مِنْها: ويُرْجع في معرفةِ حُكْمِ الله تعالى إلى ظاهرِ القرآنِ.
قال: وليس لأحدٍ أنْ يقول: إن الصحابة أجْمَعُوا على أنَّه لا يجبُ القطعُ إلاّ في مقدار مُعَيَّنٍ، قال: لأنَّ الحسنَ البصريَّ كان يُوجِبُ القطعَ بمجردِ السَّرِقَةِ، وكان يقولُ: