المذكُورة، ويكونُ المعنى: ومَنْ يُرد الله كفره وضلالتهُ، فلَنْ يقدِرَ أحدٌ على دفع ذلك عنه، ثُمَّ أكَّدَ ذلك بقوله: {أولئك الذين لَمْ يُرِدِ الله أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} .
قال أهلُ السُّنَّةِ: دلّت هذه الآيةُ على أن الله تعالى غيرَ مُريدِ إسلامِ الكافرِ، وأنَّه لم يُطهرْ قلبَهُ مِنَ الشِّرْكِ، ولوْ فعل ذلك لآمن.
وذكر المعتزلةُ في تعبير هذه الفِتْنَة وجوهاً:
أحدها: أنَّ الفتنة هي العذابُ. قال تعالى: {عَلَى النار يُفْتَنُونَ} [الذاريات: ١٣] أيْ: يُعَذَّبُونَ، فالمرادُ هنا: يُريد عذابَهُ لِكُفْره.
وثانيها: ومَنْ يُردِ الله فضيحتَهُ.
وثالثها: المرادُ الحكمُ بضلالهِ، وتَسْمِيتِهِ ضَالاًّ.
ورابعها: الفتنَةُ: الاختبارُ؛ والمعنى: مَنْ يُرِدِ الله اختبارهُ [فِيمَا يَبْتَليه] من التكاليف فيتركُهَا ولا يقومُ بأدائِها، فلَنْ تملِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ ثواباً ولا نفعاً.
وأمَّا قوله تعالى: {أولئك الذين لَمْ يُرِدِ الله أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} فذكروا فيه وجوهاً:
أحدها: لم يردِ الله أنْ يهدي قلوبَهُم بالألطافِ؛ [لأنه تعالى عَلِم أنه لا فائدةَ في تلكَ الألطافِ لأنَّها لا تنجحُ في قُلُوبِهم] .
ثانيها: لم يُرد الله أن يطهرَ قلوبَهُم مِنَ الحَرَجِ والغَمِّ والوحشةِ الدَّالةِ على كُفْرِهم.
وثالثها: أنَّ هذه الاستعارةَ [عبارةٌ] عَنْ سُقوطِ وقْعَهِ عند الله، وأنَّه غيرُ مُلتفتٍ إلَيْهِ بسببِ قُبْحِ أفعالِهِ، وقد تقدم [الكلامُ] على هذه الوجوه.
قوله تعالى: «أولَئِكَ» : مبتدأ، و {لَمْ يُرِدِ الله} جملةٌ فعليةٌ خبرُهُ.
ثُم قال تعالى: {لَهُمْ فِي الدنيا خِزْيٌ} وخزيُ المُنافقينَ الفَضيحةُ، وهَتْكُ السَّتْرِ بإظْهَارِ نفاقِهمْ، وخَوفِهم مِن القتْلِ، وخزيُ اليهودِ: الجزْيَةُ، وفَضِيحتُهم، وظهورُ كذبِهِمْ، في كِتْمانِ نَصِّ الله تعالى في إيجابِ الرَّجْمِ.
قوله تعالى {وَلَهُمْ فِي الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ} وهو الخلودُ في النَّارِ.