للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قال ابنُ الأنْبَارِي: هذا ردٌّ على اليهُود والنَّصارى [لأنَّ بعضُهم كانوا يقولون: الأنبياءُ كلُهم يهودٌ أو نصارى، فقال تعالى:] {يَحْكُمُ بِهَا النبيون الذين أَسْلَمُواْ} يَعْنِي: أنَّ الأنبياء ما كانوا مَوصُوفينَ باليهوديةِ والنصرانيَّةِ بَلْ كانوا مُسْلِمين لِلَّهِ مُنْقَادينَ لتكالِيفهِ.

وقولُه تعالى: {لِلَّذِينَ هَادُواْ} فيه وجهانِ:

أحدهما: أن النبيين إنما يحكُمون بالتورَاةِ لأجْلِهِمْ، وفِيمَا بَيْنَهُم، والمَعْنَى: يحكمُ بها النبيونَ الذين أسْلموا على الذين هَادُوا؛ كقوله تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: ٧] أيْ: فعليْهَا: وكقوله: {أولئك لَهُمُ اللعنة} [الرعد: ٢٥] أيْ: عليهم.

وقيل: فيه حَذْفٌ كأنه قال: للذين هادُوا وعلى الذين هَادُوا فحذَفَ أحدهما اخْتِصَاراً.

والثاني: أنَّ المعنى على التقديم والتأخِيرِ، أيْ: إنَّا أنزلنَا التوراةَ فيها هُدًى ونُورٌ للذين هَادُوا يحكُمُ بها النبيونَ الذين أسْلَمُوا.

وتقدم تفسيرُ الربانيِّينَ، وأمَّا الأحبارُ فقال ابنُ عباس وابن مسعود [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما] : هُمُ الفُقَهاءُ.

واختلفَ أهْلُ اللُّغَةِ في واحِدِهِ قال الفرَّاءُ: إنَّه «حِبْرٌ» بكسر الحاءِ وسُمِّيَ بذلك لمكان الحِبر الذي يُكْتَبُ به؛ لأنَّه يكونُ صاحبَ كُتُبٍ، وقال أبُو عُبَيْد: «حَبْر» بفتحِ الحاءِ، وقال اللَّيْثُ: هو «حَبْرٌ» ، و «حِبْر» بفتح الحاء وكسرِهَا.

ونقل البَغوِيُّ: أنَّ الكسرَ أفْصَحُ، وهو العالِمُ المُحكِمُ للشَّيْء.

وقال الأصمعِيُّ: لا أدْرِي أهُوَ الحِبْرُ أو الحَبْرُ، وأنكرَ أبُو الهَيْثَمِ الكَسْرَ، والفراءُ «الفَتْحَ» ، وأجاز أبُو عُبَيْد الوجْهَيْنِ، واختار الفَتْحَ.

قال قُطْربٌ: هو مِنَ الحبر الذي هو بمَعْنَى الجمالِ بفتح الحَاءِ وكسْرِهَا وفي الحديث «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ رَجُلٌ ذَهَبَ حَبَرهُ وسَبَرهُ» أي حُسْنُهُ وهَيْئَتُهُ، ومنه التَّحْبِيرُ أي: التحسينُ قال تعالى: {وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} [الزخرف: ٧٠] أي: يَفْرَحُون ويزينونَ، وسُمِّيَ ما يكتبُ حبراً لتحْسِينهِ الخطَّ، وقيل: لتأثيره وقال الكِسَائِيُّ، والفرَّاءُ، وأبُو عُبَيْدَةَ: اشتقاقُهُ من الحِبْرِ الذي يُكْتَبُ به.

وقيل: الرَّبَّانِيُّونَ هاهُنَا مِنَ النَّصَارَى، والأحبارُ مِن اليهُودِ وقِيل: كلاهُمَا من

<<  <  ج: ص:  >  >>