وقولُه:«وكانُوا» داخِلٌ في حَيِّز الصِّلةِ أيْ: وبكونِهِم شُهداءَ عليه، أيْ: رُقَبَاءَ لئلَاّ يُبدل، ف «عَلَيْهِ» متعلقٌ ب «شُهداءَ» ، والضميرُ في «عَلَيْه» يعودُ على «كِتابِ الله» وقيل: على الرسول عليه الصلاةُ والسلامُ، أيْ: شُهداء على نُبُوَّتِهِ ورسالته.
وقيل: على الحُكْمِ، والأوَّلُ هو الظاهِرُ.
قوله تعالى:{بِمَا استحفظوا مِن كِتَابِ الله} أي: استُودعوا. وحفظ كتاب الله على وجهين:
أحدهما: أن يُحفَظ فلا ينسى.
والثاني: أن يحفظ فلا يُضيع، فإن كان استحفظوا من صلة الأحبار، فالمعنى: العلماء بما استحفظوا.
وقال الزجاج: يحكمون بما استحفظوا.
قوله تعالى {وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ} أي: هؤلاء النبيون والربانيون والأحبار كانوا شهداء على أن كل ما في التوراة حق وصدق من عند الله تعالى فلا جرم كانوا يمضون أحكام التوراة، ويحفظونها عن التحريف والتغيير.
ثم قال تعالى:{فَلَا تَخْشَوُاْ الناس واخشون} لمَّا قرر أن النبيين والربانيين والأحبار، كانوا قائمين بإمضاء أحكام التوراة من غير مبالاة، خاطب اليهود الذي كانوا في عصر النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، ومنعهم من التحريف والتغيير.
واعلم أن إقدام القوم على التحريف لا بد وأن يكون لخوف أو رهبة أو لطمع ورغبة، ولما كان الخوف أقوى تأثيراً من الطمع قدم تعالى ذكره فقال:{فَلَا تَخْشَوُاْ الناس واخشون} والمعنى لا تحرفوا كتابي للخوف من الناس، ومن الملوك والأشراف، فتسقطوا عنهم الحدود الواجبة عليهم، وتستخرجوا الحيل في إسقاط تكاليف الله عنهم، ولما ذكر أمر الرهبة أتبعه بالرغبة فقال تعالى:{ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً} أي: كما نهيتكم عن تغيير أحكامي لأجل الخوف والرهبة فكذلك أنهاكم عن التغيير والتبديل لأجل الطمع في الجاه والمال والرشوة، فإن متاع الدنيا قليل. ولما منعهم من الأمرين أتبعه بالوعيد الشديد، فقال تعالى:{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} وهذا تهديد لليهود في افترائهم على تحريف حكم الله في حد الزاني المحصن، يعني أنهم لما أنكروا حكم الله المنصوص عليه في التوراة، قالوا: إنه غير واجب فهم كافرون على