والمعنى أن من قتل نفساً بغير قود قتله، ولم يجعل الله لهم دية في نفس ولا جرح، إنما هو العفو أو القصاص، وأما الأطراف فكل شخصين جرى القصاص بينهما في النفس جرى القصاص بينهما في جميع الأطراف إذا تماثلا في السلامة، وإذا امتنع القصاص في النفس امتنع أيضاً في الأطراف، ولما ذكر حكم بعض الأعضاء ذكر الحكم في كلها فعمَّ بعض التخصيص فقال:«والجروح قصاص» ، وهو كل ما يمكن أن يختص فيه مثل الشفتين والذكر والأنثيين والألْيتيْنِ والقدمَيْنِ واليدين وغيرهما، فأما ما لا يمكن القصاص فيه من رضّ لحم أو كسر عظم أو جرح يخاف منه التلف، ففيه أرش؛ لأنه لا يمكن الوقوف على نهايته.
وقرأ أبيّ:«فهو كفارته له» ، أي: التصدق كفارة، يعني الكفارة التي يستحقها له لا ينقص منها وهو تعظيم لما فعل كقوله:{فَأَجْرُهُ عَلَى الله}[الشورى: ٤٠] .
قوله تعالى:{فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ} أي: بالقصاص المتعلق بالنفس، أو بالعين أو بما بعدها، فهو أي: فذلك التصدقُ، عاد الضمير على المصدر لدلالة فعله عليه، وهو كقوله تعالى:{اعدلوا هُوَ أَقْرَبُ}[المائدة: ٨] .
والضمير في «له» فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: وهو الظاهر: أنه يعود على الجاني، والمراد به وَلِيّ القصاص أي: فالتصدق كَفَّارة لذلك المتصدق بحقه، وإلى هذا ذهب كثير من الصحابة فمن بعدهم [ويؤيده قوله تعالى في آية القصاص في البقرة وأن تعفوا أقرب للتقوى] .
والثاني: أن الضمير [يراد به] الجاني، [والمراد بالمتصدق كما تقدم مستحق القصاص، والمعنى أنه إذا تصدق المستحق على الجاني] ، كان ذلك التصدق كفارة للجاني حيث لم يُؤاخذ به.
قال الزمخشري:«وقيل: فهو كفارة له أي: للجاني إذا تجاوز عنه صاحب الحق سقط عنه ما لزمه في الدنيا والآخرة» فأمّا أجر العافي فعلى الله قال الله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله}[الشورى: ٤٠] وقال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: «مَنْ تَصدَّقَ مِنْ جسدِهِ بِشَيءٍ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ بِقدرِهِ مِنْ ذُنُوبِهِ» وإلى هذا ذهب ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - في آخرين.
الثالث: أن الضمير يعود على المتصدق أيضاً، لكن المراد الجاني نفسه، ومعنى