قال الزمخشري: فإن قلت: فإن نظمت «هدى وموعظة» في سِلْكِ «مصدقاً» فما تصنع بقوله: «وليحكم» ؟
قال شهاب الدين: أصنعُ به ما صنعت ب «هدى وموعظة» حيث جعلتهما مفعولاً لهما فأقدِّر: «وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله آتيناه إياه» .
وقال ابن عطية قريباً من الوجه الأول، أعني كون «وليحكم» مفعولاً له عطفاً على «هدى» والعامل «آتيناه» الملفوظ به، فإنه قال: وآتيناه الإنجيل ليتضمن الهدى والنور والتصديق، وليحكم أهل الإنجيل.
قال أبو حيان: فعطف «وليحكم» على توهّم علةٍ، ولذلك قال:«ليتضمن» وذكر أبو حيان قول الزمخشري السَّابق، وجعله أقرب إلى الصواب من قول ابن عطية.
قال: لأنَّ الهدى الأول، والنور والتصديق لم يؤت بها على أنها علّة، إنما جيء بقوله:{فيه هدى ونور} على معنى كائناً فيه ذلك ومصدقاً، وهذا معنى الحَالِ، والحالُ لا تكون علةً، فقوله:«ليتضمَّن كَيْتَ وكَيْتَ وليحكم» بعيد.
واختلف المفسرون في هذه الخواتم الثلاثة أعني: الكافرون الظالمون الفاسقون.
فقال القفال: صفات لموصوف واحد، وليس في إفراد كل واحد من هذه الثلاثة باللفظ ما يوجب القدح في المعنى، بل كما يقال: مَنْ أطاعَ اللَّهَ فَهُوَ البَرُّ، ومن أطاعَ الله فهو المؤمنُ، ومن أطاعَ الله فهو المُتَّقِي؛ لأنَّ كُلَّ ذلك صفاتٌ مُخْتَلِفَةٌ حاصِلةٌ لموْصُوفٍ واحدٍ وقال آخرون: الأوَّلُ في الْجَاحِدِ، والثاني والثالث: في المُقِرِّ التاركِ، وقال الأصم: الأوَّلُ والثاني في اليهُودِ، والثالثُ في النَّصارى.
وقال الشَّعْبِيُّ: الأولى في المسلمين والثانيةُ في اليهودِ، والثالثةُ: في النصارى، لأنَّ قبلَ الأولى «فإنْ جَاءُوك فاحْكُم» ، و «كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ» ، و «يَحْكُمُ بها النَّبِيُّونَ» وَقَبْلَ الثانيةِ «وَكَتَبْنَا عَلَيْهِم» وهم اليهودُ، وقَبل الثَّالِثَةِ «وَلْيَحكُمْ أهْلُ الإنجِيلِ» وهمُ النَّصارى، فكأنَّه خَصَّ كُلَّ واحدةٍ بما يليه وهذا أحْسَنُهَا.