وقال تعالى:{لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب}[البينة: ١] ، وقال تعالى:{مَّا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب وَلَا المشركين}[البقرة: ١٠٥] ، اتَّفقوا على جر «المُشْركين» عَطْفاً على أهْل الكِتَاب، ولم يَعْطف على العَامِل الرَّافع قاله الواحدي.
يعني [بذلك] : أنَّه أطلق الكُفَّار على أهْلِ الكِتَاب، وعلى عبدةِ الأوْثَانِ المُشْرِكِين، ويدلُّ على أنَّ المُرَاد بالكُفَّار في آية المَائِدة «المُشْرِكُون» ، قراءة عبد الله «ومِنَ الَّذِين أشْرَكُوا» ورُجِّحت قراءة أبِي عَمْرو أيضاً بالقُرْب، فإن المَعْطُوف عليه قرِيب، ورُجِّحَتْ أيضاً بقراءة أبَيّ «وَمِنَ الكُفَّار» بالإتْيَان ب «مِنْ» .
وأما قراءة البَاقِين، فوَجْهُهَا أنَّه عطف على المَوْصُول الأوَّل، أي: لا تَتَّخذُوا المُسْتَهْزِئين، ولا الكُفَّار أوْلِيَاء، فهو كقوله تعالى:{لَاّ يَتَّخِذِ المؤمنون الكافرين أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ المؤمنين}[آل عمران: ٢٨] ، إلَاّ أنه ليس في هذه القراءة تَعَرُّضٌ للإخْبَار باسْتِهْزَاء المُشْرِكين، وهم مُسْتَهْزِئُون أيْضاً، قال تعالى:{إِنَّا كَفَيْنَاكَ المستهزئين}[الحجر: ٩٥] فالمراد به: مُشْرِكوا العرَب، ولوضوح قِرَاءة الجرِّ قال مَكي بن أبِي طالب:«ولولا اتِّفَاقُ الجماعةِ على النَّصْب، لاخترتُ الخَفْض لقوَّته في المَعْنى، ولِقُرْب المَعْطُوف من المَعْطُوف عليه» .
ثم قال تعالى:{اتقوا الله إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} ، والمعنى ظاهِر.