أي: ومِرْوَدُهُ فيه، وكذلك «بِهِ» أيضاً حالٌ من فاعل «خَرَجُوا» . فالبَاءُ في قوله تعالى:{دَّخَلُواْ بالكفر وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ} ، يُفيدُ أنَّ الكُفْرَ معهم حالةَ الدُّخُولِ والخُرُوجِ من غيْرِ نُقْصَانٍ، ولا تَغْيِير ألْبَتَّة، كما تَقُولُ:«دَخَلَ زَيْدٌ بِثَوْبِهِ وخَرَجَ» أي: ثوْبُهُ حال الخُرُوجِ، كما كَانَ حَالَ الدُّخُول. وقوله:«وَهُمْ» مبتدأ، و «قَدْ خَرَجُوا» خبرُه، والجملةُ حالٌ أيضاً عطفٌ على الحالِ قبلَها، وإنما جاءتِ الأولَى فعليَّةً والثانيةُ اسميةً؛ تنبيهاً على فرطِ تهالِكهم في الكُفْرِ؛ وذلك أنهم كان ينبغي لهم، إذا دخلُوا على الرسول - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - أنْ يُؤمنُوا؛ لِما يَرَوْن من حُسْنِ شيمته وهَيْبَته، وما يظهرُ على يديهِ الشريفة من الخوارقِ والمعجزاتِ؛ ولذلك قال بعض الكَفَرَةِ:«رَأيْتُ وَجْهَ مَنْ لَيْسَ بِكَذَّابٍ» ، فلمَّا لم يَنجَعْ فيهم ذلك، أكَّد كفرهم الثاني بأنْ أبْرَز الجملة اسميةً صدْرُها اسمٌ، وخبرها فعلٌ؛ ليكون الإسنادُ فيها مرتين، وقال ابن عطية:«وقوله:» وَهُمْ «تخليصٌ من احتمالِ العبارةِ أن يدخُلَ قومٌ بالكُفْرِ، ثم يؤمنوا، ويخرجَ قومٌ، وهم كَفَرَة، فكان ينطبِقُ على الجميع، وهم قد دخلوا بالكفر، وقد خَرَجوا به، فأزال اللَّهُ الاحتمال بقوله:{وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ} ، أي: هُمْ بأعيانهم» ، وهذا المعنى سبقه إليه الواحديُّ، فبسطه ابن عطيَّة، قال الواحديُّ:{وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ} أكَّد الكلام بالضَّمير، تعييناً إياهم بالكفر، وتمييزاً لهم عن غيَرِهِمْ، وقال بعضهم: معنى «هُم» التأكيدُ في إضافة الكُفْر إليهم، ونَفْيِ أن يكون من الرسولِ ما يوجبُ كفرَهُمْ؛ مِنْ سوءِ معاملته لهم، بل كان يلطفُ بهم ويعاملُهم أحسنَ معاملةٍ، فالمعنَى: أنهم هم الذين خَرَجُوا بالكُفْر باختيار أنفُسِهِمْ، لا أنَّكَ أنْتَ الذي تسبَّبْتَ لبقائِهم في الكُفْر، وقال أبو البقاء:«ويجوز أن يكون التقديرُ: وقد كانوا خرجُوا به» ، ولا معنى لهذا التأويلِ، والواوُ في قوله تعالى:{وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ} تحتمل وجهين:
أحدهما: أن تكون عاطفةً لجملةِ حالٍ على مثلها.
والثاني: أن تكونَ هي نفسُها واوَ الحال؛ وعلى هذا: يكونُ في الآية الكريمة حجةٌ لمن يُجِيزُ تعدُّدَ الحال لذي حالٍ مفردٍ من غير عطف، ولا بدل إلا في أفعلِ التفضيل، نحو:«جَاءَ زَيْدٌ ضَاحِكاً كَاتِباً» ؛ وعلى الأول: لا يجوزُ ذلك إلا بالعطفِ أو البدلِ، وهذا شبيهٌ بالخلاف في تعدُّد الخبر.
قوله تعالى:«وإذا جَاءُوكم» يعني: هؤلاء المُنَافِقِين وقيل: هُم الذين آمَنُوا بالذي