تعالى - أخبر أن من فعل هذه الأَفَاعيل خسر فقال:«أُولِئَكَ هُمُ الخَاسِرُونَ» كقوله: {وأولئك هُمُ المفلحون}[البقرة: ٥] ، وقد تقدم أنه يجوز أن تكون هذه الجملة خبر «الذِينَ يَنْقُضُونَ» إذا جعل مبتدأ.
وإن لم يجعل مبتدأ، فهي مستأنفة، فلا محل لها حينئذ، و «هم» زائدة، ويجوز أن يكون «هم» مبتدأ ثان، و «الخَاسِرُونَ» خبره، والثاني وخبره خبر الأول.
والخاسر: الذي نقص نفسه حظها من الفلاح والفوز.
والخسران: النقصان، كان في ميزان أو غيره؛ قال جرير:[الرجز]
والخَسَار والخَسَارَة والخَيْسَرَى: الضَّلال والهلاك. فقيل للهالك: خاسر؛ لأنه خسر نفسه، وأهله يوم القيامة، ومنع منزله من الجَنَّة.
فصل
قال القرطبي: في هذه الآية دليلٌ على أنَّ الوفاء بالعهد والتزامه، وكل عهد جائز ألزمه المرء نفسه، فلا يحل له نقضه، سواء أكان بين مسلم أم غيره، لذم الله - تعالى - من نقض عهده.
وقد قال:{أَوْفُواْ بالعقود}[المائدة: ١] وقد قال لنبيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فانبذ إِلَيْهِمْ على سَوَآءٍ}[الأنفال: ٥٨] فنهاه عن الغَدْرِ، وذلك لا يكون إلَاّ بنقض العهد، على ما يأتي إن شاء الله تعالى.